للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حَرَض» ؛ قال - تعالى -: {حتى تَكُونَ حَرَضاً} [يوسف: ٨٥] وأحرصه كذا، قال: [البسيط]

١٨٤٦ - إنِّي امْرؤٌ هَمٌّ فأحْرَضَنِي ... حَتَّى بلِيتُ وَحَتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ

فصل

دلَّت الآية على أنَّه لو لم يُساعده على القِتَالِ غيره، لم يجز له التَّخَلُّفُ عن الجِهَادِ ألْبَتَّة، والمعنى: لا تؤاخذ [إلا] بفعلك دون فِعْل غَيْرِك، فإذا أدَّيْت فرضك لا تُكَلِّف بِفَرْض غَيْرِك، واعْلَم: أنَّ الجِهَاد في حَقِّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واجِبٌ، فإنه على ثِقَة من النَّصْر والظَّفْرِ؛ لقوله -[تعالى]-:

{والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: ٦٧] ، وقوله هَهُنَا: {والله أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} وعسى من الله: جَزْمٌ وَاجِبٌ فلزمه الجِهَاد وإن كان وحده بِخِلاف أمَّته، فإنه فَرْضُ كِفَايَة، فما لَمْ يَغْلِب على الظَّنِّ أنه يُفيد، لم يَجِبْ.

وقوله: {عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ} أي: قِتَال المُشْركين والبَأس أصله المكرُوه، يقال: ما عَلَيْكَ من هذا الأمْر بَأسٌ، أي: مَكْرُوه، ويقال: والعَذَاب قد يُسَمَّى بأساً؛ لكونه مَكْرُوهَاً؛ قال - تعالى -: {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا} [غافر: ٢٩] ، {فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ} [الأنبياء: ١٢] {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: ٨٤]

قوله: {والله أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} «بأساً و» تنكيلاً «: تمييز، والتَّنْكِيل تفعيل من النَّكْل وهو القَيْد، ثم اسْتُعْمِل في كُلِّ عذاب يقال: نَكَلْت فُلاناً؛ إذا عَاقَبْتُه عقوبَةً تَنْكِيل غَيْره عن ارتِكَابِ مِثْله، من قَوْلِهِم: نَكَل الرَّجُل عن الشَّيءِ، إذا جَبُن عَنْه وامْتَنَع منه؛ يُقَال: نَكَلَ فلان عن اليَمين؛ إذا خَافَه ولم يُقْدِم عَلَيْه، قال - تعالى -: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة: ٦٦] وقال في حَدِّ السَّرقَة: {جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله} [المائدة: ٣٨] ، فقوله: {والله أَشَدُّ بَأْساً} أي: أشد صَوْلَةً وأعظم سُلْطَاناً، يَدُوم، وعذاب الله لا يَقْدِر أحدٌ على التَّخَلُّص مِنْهُ، وعذاب غَيْره يتخلَّص مِنْه.

<<  <  ج: ص:  >  >>