والثَّانِي: أن الرَّجُل [في الجِهَاد] كان يلْقَّاهُ الرَّجُل في دَارِ الحَرْبِ أو ما يُقارِبُها، فَيُسَّلمُ عليه لا يَلْتَفِتُ إلى سلامِهِ [ويقتله] ، وربَّمَا ظَهَرض أنَّهُ كان مُسْلِماً، فأمرهم بأن يُسَلِّم عليهم أو يُكْرِمهم، فإنهم يقابلونه بمثل ذَلِكَ الإكْرَام أو أزْيَد، فإن كان كَافِراً، لم يَضُرَّ المسلم مُقَابَلَة إكْرَام ذلك الكَافِر بنوع من الإكْرَام، وإن كان مسلماً فَقَتَلَه، ففيهِ أعْظَم المَضَارِّ والمفَاسِدِ، ويقال: التحية [في الأصْلِ] : البَقَاءِ والمِلْكُ.
قال القُرْطُبِي: قال عبد الله بن صالح العِجْليّ: سألت الكسَائِيُّ عن قوله: «التحيات لله» ما مَعْنَاهَا؟ فقال: التَّحِيَّاتُ مثل البَرَكَاتِ، قلت: ما معنى «البركات» ؟ فقالك ما سَمِعْت فيها شيئاً، وسألْت عنها مُحَمَّد بن الحسن [فقال] : هو شَيْءٌ تعبدّ الله به عبادَهُ، فقدِمْتُ الكُوفَة فلقيت عَبْدَ الله بن إدْرِيس: إنه لا عِلْم لهما بالشَّعْرِ وبهذه الأشْيَاءِ، التَّحِيَّة: المُلك وأنْشَدَهُ: [الوافر]
ويقال: التَّحِيَّة: البَقَاء والملك، ومنه:«التحيات لله» ، ثم استُعملت في السلام مَجَازاً، ووزنها، تَفْعِلَ من حَيَّيْت، وكان في الأصْل: تحيية؛ مثل «: تَوْصية وتَسْمِيَة، والعرب تؤثر التَّفْعِلة على التَّفْعيلِ [فيٍ ذَوَاتِ الأرْبَع؛ نحو قوله:{وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}[الواقعة: ٩٤] .
والأصل: تَحْيِيَة فأدغمت، وهذا الإدغَامُ واجبٌ خِلافاً للمَازِني، وأصْل الأصْل تَحْيِيُّ؛ لأنه مَصْدَر حَيّا، وحَيّا: فَعَّل مَصْدره على التَّفْعِيل، إلا أن يَكُون مُعْتَلَّ اللامِ؛ نحو: زكَّى وغَطَّى، فإنه تحذف إحْدَى اليَاءَيْن ويعوَّض منها تَاء التَّأنيثِ؛ فيقال: تَزْكِيه وتغْطِيَة، إلا ما شَذَّ من قوله:[الرجز]