قال قوم: نَزَلت في الذين تخَلَّفُوا يَوْمَ أحُد من المُنَافِقِين، وقالوا:{لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاّتَّبَعْنَاكُمْ}[آل عمران: ١٦٧] . فاختلف أصْحَاب الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: فقالَتْ مَنْهُم فرقة: كَفَرُوا، وآخَرُون قالوا: لَمْ يَكْفُرُوا، فنزلت الآية؛ وهو قول زَيْد بْنِ ثَابِت وطُعِن في هذا الوَجْهِ: بأن في نَسَقِ الآية ما يَقْدَحُ فيه وأنَّهم من أهْل مكَّة؛ وهو قوله:{فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ} .
وقال مُجَاهِد: هم قَوْم خَرَجُوا إلى المَدِينَة، وأسْلَمُوا ثم ارْتَدُّوا، واسْتَأذَنُوا رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى مَكَّة؛ ليأتوا بِبِضَائِع لَهُم يتَّجِرُون فيها، فَخَرَجُوا وأقَامُوا بمكَّة، فاختلف المسلمون فيهم: فقائل يَقُول: هم مُنَافِقُون، وقائل يَقُول: هُمْ مُؤْمِنُون.
وقيل: نزلت في نَاسٍ من قُرَيْش قَدِمُوا المَدِينَةَ، وأسْلَمُوا ثم نَدِمُوا على ذلك، فَخَرَجُوا كهيئة المُتَنَزِّهِين حتى بَعُدوا عن المدينة، فكتَبُوا إلى رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إنَّا عَلَى الَّذِي وافقْنَاك عليه من الإيمَانِ، ولَكِنَّا اجتوينا المدينة واشْتَقْنَا إلى أرْضِنا، ثم إنَّهُم خرجوا في تجارةٍ لَهُم نحو الشَّامِ فَبَلَغَ ذَلِك المُسْلِمِين، فقال بَعْضُهم: نخرج إليْهم فنقتلهم ونأخذ ما مَعَهُم؛ لأنَّهم رَغِبُوا عن دِيننَا، وقالت طَائِفة: كيف تَقْتُلون قوماً على دينكُم إن لَمْ يَذَرُوا دِيَارَهم، وكان هَذَا بِعَيْن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وهو سَاكِتٌ لا يَنْهَى واحداً من الفَرِيقَيْن؛ فنزلت الآية.
وقيل: هم العرنيون: وقال ابْن زَيْد: نزلت في أهل الإفكِ، وقال ابن عبَّاسٍ وقتادة: هم قَوْمٌ أسْلَمُوا بمكَّة ثم لم يُهَاجِرُوا وكانُوا يُظَاهِرُون المُشْرِكين، فاختلف المُسْلِمُون فيهم وتشاجروا، فنزلت:«فما بالكم» يا معشر المؤمنين {فِي المنافقين فِئَتَيْنِ} أي: صرتم فيهم فئتين، {والله أَرْكَسَهُمْ} أي: نكَّسَهُم ورَدَّهم إلى الكُفْرِ وأحْكَامه من الذُّلِّ والصِّغَار والسَّبْي والقَتْل.