الثالث: أنه استِثْنَاء مُفَرَّغ، ثم في نَصْبِه ثلاثة احْتِمَالاتٍ:
الأوَّل: أنه مَفْعُول له، أي: ما يَنْبَغِي له أن يَقْتُلَه [لعلَّه من الأحْوَالِ، إلا في حَالِ الخَطَأَ.
الثالث: أنه نَعْتُ مَصْدَرٍ محذُوف، أي: إلا قَتْلاً خَطَأ، ذكر هذه الاحْتِمَالات الزَّمَخْشَرِيُّ.
الرابع: من الأوْجه: أن تكون «إلا» بمعنى «ولا» والتقدير: وما كان لمُؤمِنٍ أن يَقْتُلَ مُؤمِنَاً عَمْداً ولا خَطَا، ذكره بعضُ أهْلِ العِلمُ، حكى أبُو عُبَيْدة عن يُونُس قال: سألتُ رُؤبة بن العَجَّاج عن هَذِهِ الآيَةِ، فقال: «ليس أنْ يَقْتُلَهُ عَمْداً ولا خَطَا» فأقام «إلَاّ» مقامَ الوَاوِ؛ وهو كقول الشَّاعِر: [الوافر]
١٨٦٢ - وَكُلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ ... لَعَمْرُ أبِيكَ إلَاّ الْفَرْقَدَانِ
إلا أن الفَرَّاء ردَّ هَذا القَوْلَ؛ بأن مثل ذلك لا يجوزُ، إلا إذا تقدَّمه استِثْنَاءٌ آخر، فيكونُ الثَّانِي عطفاً عليه: كقوله: [البسيط]
١٨٦٣ - مَا بِالمَدِينَةِ دَارٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ ... دَارُ الْخَلِيفَةِ إلَاّ دَارُ مَرْوَانَا
وهذا رأي الفراء، وأمَّا غَيْرُه، فيزعم أنَّ «إلا» تكون عَاطِفَة بمعنى الوَاو من غَيْر شَرْطِ، وقد تقدَّم تَحْقِيقُ هذا في قوله: {لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَاّ الذين ظَلَمُواْ} [البقرة: ١٥٠] .
وقرأ الجُمْهُور: «خطأ» مهموزاً بوزْنِ «نبأ» ، والزهري: «خَطَا» بوزن «عَصَا» ، وفيها تخريجان:
أحدُهُمَا: أنه حَذَفَ لام الكَلِمَة تَخْفِيفاً بإبدالها ألفاً، فالتقت مع التَّنْوين؛ فَحُذِفَت لالتِقَاء السَّاكِنَيْن، كما يُفْعَل ذلك بِسَائِر المَقْصُور، والحسن قرأ: «خَطَاءً» بوزن «سَمَاء» .
فصل
ذكر المُفسِّرون في سَبَبِ النَّزُول وُجُوهاً:
أحدها: روى عُرْوَة بن الزُّبَيْر: أن حُذِيْفَة بن اليَمَان قَاتَل مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَوْمَ أُحُد فأخْطَأ المُسْلِمَون، وظَنُّوا أن أبَاهُ اليَمَان وَاحداً من الكُفَّار، فضَرَبُوه بأسْيَافِهم، وحُذَيْفَة