يَقُول: إنَّه أبي، فلم يَفْهَمُوا قولَه إلا بعد أنْ قَتَلُوه، فقال حُذَيْفة: يَغْفِر الله لكم وهو أرحم الرَّاحمين، فلما سَمِعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذلك، أزْدَاد وَقْع حُذَيْفَة عِنْدَه، فَنَزَلَت هَذِه الآية.
وثانيها: أن أبا الدَّرْدَاءِ كان في سَرِيَّة، فَعدل إلى شَعْبٍ لحاجة [فوجد] رجُلاً في غَنَم لَهُ، فحمل [عليه] بالسَّيْف، فقال الرَّجُل لا إله إلا الله، فقتلَه وسَاقَ غَنَمَهُ، ثم وَجَد في نَفْسِه شَيْئاَ فذكر الوَاقِعة للرَّسُول - عليه الصَّلاة والسلام - فقال النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «هَلَاّ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِه» وندم أبُو الدَّرْدَاءِ، فنزلت الآية.
ثالثها: عيَّاش بن أبي رَبِيعَة المَخْزُومِيَّ، وكان أخَاً أبِي جَهْل من أمّه: أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بمكة قبل الهجرة فأسلم ثم خاف أن يُظهر إسلامَه لأهله فخرج هارباً إلى المدينة، وتحصّن في أطم من آطامِها، فجزعت أمه لذلك جزعاً شديداً وقالت لابنها الحارث وأبي جهل بن هشام وهما أخواه لأمه: والله لا يظلني سقف ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تأتوني به، فخرجا في طلبه وخرج معهما الحارث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينة، فأتوا عياشاَ وهو في الأطم، قالا له: إنزل فإنّ أمك لم يُؤوها سقف بيت بعدك، وقد حلفت ألاّ تأكل طعاماً ولا تشرب شراباً حتى ترجع إليها ولك عهد الله علينا أن لا نكرهك على شيء ولا نحول بينك وبين دينك، فلما ذكروا له جزع أمه وأوثقوا له بالله نزل إليهم فأخرجوه من المدينة ثم أوثقوه بنسعةٍ فجلده كل منهم مائة جلدة، ثم قدموا به إلى أمّه فلما أتاها قالت: والله لا أُحِلّكَ من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به، ثم تركوه موثقاً مطروحاً في الشمس ما شاء الله فأعطاهم الذي أرادوا فأتاه الحارث بن زيد فقال: يا عياش أهذا الذي كنت عليه فوالله لئن كان هُدى لقد تركت الهدى، ولئن كان ضلالة لقد كنت عليها، فغضب عياش من مقالته، وقال: والله لا ألقاك خالياً أبداً إلا قتلتك، ثم إن عياشاً ألم بعد ذلك وهاجر ثم أسلم الحارث بن زيد بعده وهاجر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال: يا رسول الله قد كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت، وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته فنزلت الآية.
فصل تفسير قوله - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ}
قوله:{وَمَا كَانَ [لِمُؤْمِنٍ} ] قيل: معناه: ما كانَ لَهُ فيما أتاه من رَبَّه وعهد