القُرْآنِ بخير الوَاحِدِ لا يجُوزُ؛ لأن القُرآن مَعْلُوم وخبر الوَاحِدِ مَظْنَون، ولا يَجُوزُ تقديم المَظْنُونِ على المَعْلُومِ؛ ولأن هذا خَبَر وأحِدٍ وَرَدَ فيما تَعُمُّ به البَلْوَى؛ ولأنَّه خبر وَاحِدٍ ورد على مُخَالَفَةِ أصُولِ الشَّرِعةِ فوجب رَدُّه، واحتجَّ الفُقَهَاءِ بما» رُوِيَ [عن] المُغيرةِ أنَّ امْرَأة ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأةٍ، فالقَت جَنباً ميّتاً، فَقَضَ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على عَاقِلَة الضَّارِبَة بالغِرَّة، فقام حَمْل بن مَالِك فقال: كَيْفَ نَدِي من لا شَرِبَ ولا أكَل، ولا صَاحَ ولا اسْتَهَلَّ، ومثل ذَلِكَ يُطِل، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: هذا من سَجْع الجاهلية «.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فقُضِيَ عَلَى عَليَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - بأن يعقل عن مَوْلَى صَفية بنت عَبْد المُطَّلِب حين جَنَى موْلَاهَا، وعَلِيٌّ كان ابْن أخِي صَفِيَّة وقضى للزُّبَيْر بمِيِيراثِهَا، وهذا يَدلُلُّ على أنَّ الدِّيَة إنَّما تِجِبُ عَلَى العَاقِلَة.
فصل
مذهب الفُقَهَاء أنَّ دِيَة المرأة نِصْف دِيَة الرَّجُل، وقال الأصَمُّ وابن عَطِيّة: ديتُها مِثْلُ دِيَةِ الرَّجُل، واحْتَجَّ الفقهاء بأن عَليَّا، وعُمَر، وابن مَسْعُود قَضَوْا بذلك؛ ولأن المرأة في المِيراث والشَّهَادَةِ على النِّصْفِ من الرَّجُلِ، فكذلك في الدِّيَة، واستدل الأصَمُّ بهذه الآيَة قوله - تعالى -: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ} وأجْمَعُوا على أنَّ هذه الآية دَخَلَ فيها حُكْم الرَّجُل والمرأة فوجب أن يكون الحُكْم ثَابِتاً فِيَها بالسويّة.
قوله:{إِلَاّ أَن يَصَّدَّقُواْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع.
والثاني: أنه متصلٌ.
قال الزمخشري: «فإن قُلْتَ: بِمَ تَعَلَّق» أن تصدقوا «وما مَحَلُّه؟ قلت: تَعَلَّق ب» عليه «أو ب» مسلمة «كأنه قِيلَ: وتَجِبُ عليه الديَّة أو يًسَلِّمُهَا إلا حِين يتصدَّقُون عليه، ومَحَلُّها النَّصْب على الظَّرْف، بتقدير حذف الزَّمَانِ، كقولهم:» اجلس ما دام زَيْدٌ جالِساً «، ويجُوز أن يكُون حَالاً من» أهله «بِمَعْنَى إلا مُتصدِّقين» . وخطَّأه أبو حيَّان في هذين التَّخْرِيجين.