أما الأوّل: فلأنَّ النَّحْويَّين نَصُّوا على مَنْع قِيَام «أنْ» وما بعدها مقامَ الظَّرْف، وأنَّ ذلك ما تَخْتَصُّ به «ما» المَصْدَرِيّةُ، لو قلت:«آتيك أن يَصِيحَ الدِّيكُ» أي: وقت صِيَاحه، لم يَجُز.
وأما الثَّانِي: فنصَّ سِيبوَيْه على مَنْعِه أيضاً، قال في قَوْلِ العرب:«أنْت الرَّجُل أن تُنَازِلُ، أو أنْ تُخَاصِم» أي: أنْتَ الرَّجُل نزالاً ومُخَاصَمَة: «إنَّ انْتِصَابِ هذا انْتِصَابُ المَفْعُول من أجْلِه، لأنَّ المُسْتَقْبَل لا يَكُون حالاً» فكونُه مُنْقَطعاً هو الصَّوابُ.
وقال أبو البَقَاءِ:«وقيل: هو مُتَّصِلٌ، والمَعْنَى: فعليه دِيَةٌ في كُلِّ حَالٍ، إلا في حال التَّصَدُّق عَلَيْه بِهَا» .
والجُمْهُور على «يصدقوا» بتشديد الصَّاد، والأصل: يتصدَّقوا، فأدْغمت التَّاء في الصَّاد، ونُقِل عن أبيِّ هذا الأصل قِرَاءةٌ، وقرأ أبو عمرو في رِوَاية عَبْد الوَارِثِ - وتُعْزى للحَسَن وأبي عَبْد الرَّحْمَن: - «تصدقوا» بِتَاءِ الخِطَاب، والأصل: تتصَدَّقُوا بتَاءَيْن، فأدغمت الثَّانِية، وقُرئ:«تَصْدُقوا» بتاء الخِطَاب وتَخْفِيف الصَّاد، وهي كالَّتِي قَبْلَها، إلا أنَّ تَخْفِيفَ هذه بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْن: الأولَى أو الثَّانِية على خِلاف في ذلك، وتَخْفيف الأولَى بالإدْغَام.
قوله [- تعالى -] : {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} لما ذكر أوَّلاً أنَّ قتل المُؤمِن خَطَأ [فيه] تحرِيرُ رَقَبَة، وتَسْلِيم الديَّة، ذكر هُنَا أنَّ من قَتَل خَطَأ من قَوْم عَدُوٍّ لنا فَعَلَيْه تَحْرِير الرقبة، وسَكَت عن الدِّيَة، ثم ذَكَر بعده إنْ كان من قَوْمٍ بَيْنَكُم وبَيْنَهُم ميثَاقٌ، وجَبت الدِّيَةُ، فالسُّكُوت عن إيجَاب الدِّيَة، ثم ذَكَر بعده إنْ كان من قًوْمٍ بَيْنَكُم وبَيْنَهُم ميثاقٌ، وجَبت الدِّبَةُ، فالسُّكُوت عن إيجَاب الدِّيَة هنا وإيجَابُها فِيمَا [قبل هذه الآية] وفيما بعد يدُلُّ على أنَّ الدِّيَة غير وَاجِبَة في هَذِه