الصُّورَة، وإذا ثبت هذا، فَنَقُولُ: قوله - تعالى -: {مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ} إمَّا أن يَكُون المُرادُ مِنْهُ كَوْن هذا المَقْتُول من سُكَّان دَارِ الحَرْب، أو كَوْنه ذا نَسَبٍ منْهُم.
والثاني بَاطِلٌ؛ لانعقاد الإجْمَاع على أن المُسْلِمَ السَّاكن في دَارِ الإسْلام، وجَميع أقارِبِه كُفَّار، فإذا قُتِلَ خَطَأ، وجبت الدِّيَة في قَتْلِه، فتعيَّن الأوَّل، وهو كَوْن المَقْتُولِ خَطأ من سُكَّان دَارِ الحَرْبِ وَهُو مُؤمِنٌ، فتجب [فيه] كَفَّارة بلا دِيَة.
قال الشَّافِعِي: كما دَلَّت هذه الآيَةُ على هَذَا المَعْنَى، فالقياس يُقَوِّيه فأمَّا أنَّه لا تَجِبُ الدِّية، فلأنَّا لو أوْجَبْنا الدِّيَة في قَتْل المُسْلِم السَّاكِن في دَارِ الحَرْب، لاحْتَاج مَنْ يريدُ غَزْوَ دَارِ الحَرْب، إلى أنْ يَبْحَث عَنْ كُلِّ أحدٍ أنه هَلْ هُوَ من المُسْلِمِيِن أمْ لا، وذَلِكَ مما يَصْعب وَيشقُّ، فيفضي إلى اْحترازِ النَّاسِ عن الغَزْوِ، فالأوْلَى سُقُوط الدِّيَة عن قاتِله؛ لأنَّه الذي أهْدَرَ دَمَ نَفْسِه باخْتِيَار السُّكْنَى في دَارِ الحَرْب، وأمَّا الكَفَّارة فإنَّها حَقُّ الله - تعالى -؛ لأنَّه قَتَل إنْسَاناً مُؤمِناً مُواظِبَاً على عِبَادة الله - تعالى -، وقيل: المُرادُ منه: إذا كان المَقْتُولُ مُسْلِماً في دَارِ الإسلامِ، وهو من نَسَبِ قوم كفارٍ، [وأقاربه] في دار الحرب - حرب المسلمين - ففيه الكَفَّارةُ بِلا دِيَة [لأهله] ، وكان الحَارِثُ بن زَيْد من قوم كُفَّار حربٍ للمسلمين، وكان فيه تَحْرِير رَقَبة، ولم يَكُن فيه دِيّة؛ لأنَّه لم يَكُن بين قَوْمِه وبَيْن المُسْلِمِين عَهْد.
قوله:{وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً} فيه قولان:
أحدهما: أن المُرادَ مِنْه: المُسْلِم؛ لأنَّه - تعالى - ذكر أوّلاً حال المُسْلِم القَاتِل خَطَأ، ثم ذكر حال المُسْلِم المَقْتُول خَطَأ إذا كان بَيْنَ أهْل الحَرْب، ثم ذكر حال المُسْلِم [المَقْتُول خَطَأ] إذا كان بين أهْلِ العهد وأهْل الذِّمَّة، ويؤكَّدُه قوله:«وإن كان» فلا بُدَّ من إسْنادِه إلى شَيْء تقدَّم ذِكْرُه وهو المُؤمِنُ المَنْقُول خَطَأ.
الثاني: أن المُرَاد منه: الذمي أو المُعاهد، وهؤلاء طَعَنُوا في القَوْل الأوَّل من وُجُوه:
أحدها: أن المُسْلِم المَقْتُول خَطَأ سواءٌ كَانَ من أهْل الحَرْب أو من أهل الذِّمَّة، فهو دَاخِلٌ تحت قوله:«ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة [مؤمنة] ودية مسلمة إلى أهله» فلو كان المُراد من هذه الآية هو المُؤمِن المَقْتُول من سُكَّان دَارِ الحَرْبِ، فإنه - تعالى - إنما