الحَقُّ لم يجىء بَعْدُ وسيجيء بَعْد ذَلِك؛ بل لا بُد بأن يعْتَرِف بأنَّ الَّذِي كان عَلَيْه بَاطِلٌ، وأن الدِّين الموْجُود بين المُسْلِمِين هو الحَقُّ والفَرْضُ.
قال أبُو عبيدة جميع متاع الدُّنْيَا عَرَضٌ بفتح الرَّاء، يقال: إن الدُّنْيَا عَرَضٌ حاضر يأخُذُ منها البَرُّ والفَاجِرُ، والعَرْض بسُكُون الرَّاءِ ما سِوَى الدَّرَاهِم والدَّنَانِير، وإنما سُمي مَتَاعُ الدُّنْيا عَرَضاً؛ لقلة لَبْثهِ.
قوله - تعالى -: {فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} يعني: ثواباً كثيراً، وقيل: مغانم كثيرة لِمَنِ اتَّقى قَتْلَ المُؤمِن، والمَغَانِم: جمع مَغْنَم، وهو يصلح للمَصْدَر والزَّمَان والمَكَان، ثم يُطْلَق على ما يُؤخَذُ من مال العَدُوِّ في الغَزْوِ؛ إطلاقاً للمَصْدَر على اسْمِ المَفْعُول، نحو:«ضَرْب الأمِير» .
قوله:«كذلك» هذا خبر ل «كان» قُدِّم عليها وعَلَى اسْمِها، أي: كُنتم من قَبْل الإسْلام مثلَ مَنْ أقْدَمَ ولم يَتَثَبَّتْ، وهذا يقتضي تشبيه هؤلاء المُخَاطبين بأولَئِك الَّذِين ألْقوا السَّلم، وليس فيه بَيَانٌ للمُشَبَّه فيما إذا قِيلَ: المُرَادُ أنكم أوَّل ما دَخَلْتُم في الإسْلام، فبمجرّد ما سُمعَتْ من أفْواهِكم كَلِمة الشَّهَادة، حقنت دماؤكم وأمْوالُكُم من غير تَوقِيفٍ ذلك على حُصُول العِلْمِ بأن قَلْبكُم موافِقٌ لما في ضمائِركم فعليكُم بأن تَفْعَلُوا بالدَّاخلين في الإسْلامِ كمَا فُعِل بكم، وأن تَعْتَبروا ظَاهِر القَوْل، وألَاّ تقولوا إن إقْدامَهُم على الإسلام لأجْلِ الخَوْف من السَّيف، هذا إخْبَار أكثر المُفسِّرين، وفيه إشْكَالٌ؛ لأن لهم أن يَقُولوا: ما كان إيمانُنَا مثل إيمان هَؤلاء؛ لأنا آمَنَّا عن الطواعِيَة والاخْتِيَار، وهؤلاء أظْهَرُوا الإيمَان تحت ظلال السُّيُوف، فكيف يُمْكِن تشبيه أحَدهما بالآخر! .
قال سعيد بن جُبَيْر: المُرَاد أنكم كُنْتُم تكْتُمون إيمانَكُم عن قَوْمِكم؛ كما أخْفَى هذا الدَّاعِي إيمانَهُ عن قومه، ثم مَنَّ الله عَلَيْكُم بإعْزَازكم حتى أظْهَرْتُم دينكم، فأنتُم عامِلُوهم بمثل هذه المُعَامَلَة، وهذا أيضاً فيه إشْكَالٌ؛ لأن إخْفَاء الإيمَانِ ما كان عامّاً فيهم.
قال مُقاتل: المراد كذلك كُنْتُم من قبل الهِجْرَة حين كُنْتُم فيما بين الكُفَّار، تأمَنُون