الثالث: مَنْصُوبة انتصابَ الظَّرْف، أي: في دَرَجَةٍ ومَنْزِلة.
الرابع: انْتِصَابها على إسْقَاط الجَارِّ أي: بِدَرَجة.
فلما حُذِف الجَارُّ، وَصَل الفِعْل فعَمِل، وقيل: نُصِب على التَّمْيييز.
قوله: «وكلاًّ وعد الله الحسنى» «كلاًّ» مَفْعُول أول ل «وَعَد» مُقَدماً عليه، و «الحُسْنَى» مفعول ثان، وقرئ: «وكُلٌّ» على الرَّفْع بالابتداء، والجُمْلَة بعده خبره، وتالعَائشد مَحْذُوف، أي: وعده؛ وهذه كَقِرَاءة ابن عامر في سورة الحديد: {وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحسنى} [الحديد: ١٠] .
والمعنى: كلاًّ من القاعِدِين والمُجاهِدِين، فقد وَعَدَه الله الحُسْنَى.
قال الفُقَهِاء: وهذا يَدُلُّ على أن الجِهَاد فرض كِفَايَةٍ، وليس على كُلِّ واحدٍ بِعَيْنِه؛ لأنه - تعالى - وعد القاعِدِين الحُسْنَى كما وعَد المُجَاهِدِين، ولو كان الجِهَادُ واجِباً على كلِّ أحدٍ على التَّعْيين، لما كان القَاعِدُ أهْلاً لوعد الله إيَّاه الحُسْنَى.
وقيل: أراد ب «القَاعِدِين» هنا: أولِي الضَّرَر، فضَّل الله المُجَاهشدِين عليهم دَرَجَة؛ لأن المُجَاهِد باشَر الجِهَاد مع النِّيَّة، وأولُوا الضَّرر لهم نِيَّة بلا مُبَاشَرة، فنزلوا عَنْهُم درجَة وعلى هذا نزول الدَّلالة.
قوله - تعالى -: {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً} في انتصاب «أجراً» أربعة أوجُه:
أحدها: النَّصْب على المَصْدَر من مَعْنَى الفِعْل الذي قَبْلَه لا من لَفْظَه؛ لأن مَعْنَى «فَضَّلَ الله» : آجرَ؛ فهو كقوله: أطْرُهُم أجْرٌ، ثم قوله - تعالى -: {دَرَجَاتٍ مِّنْهُ [وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} بدل من قوله: «أجْراً» .
الثاني: أنه انْتَصَب على إسْقَاط الخافِضِ، أي: فضلهم بأجْر.
الثالث: النَّصْب على أنَّه مَفْعُول ثاني؛ لأنه ضَمَّن فضَّل معنى أعْطَى، أي: أعْطَاهُم أجراً تفضلاً مِنْه.
الرابع: أنه حالٌ من درجات] .
قال الزمخشري: «وانتصب» أجْراً «على الحَالِ من النّكرة التي هي» دَرَجَاتٍ «مقدَّمةًعليها» وهو غير ظَاهِر؛ لأنه لو تأخَّر عن «دَرَجَاتٍ» لم يَجُز أن يَكُون نعتاً ل «دَرَجَاتٍ» لعدم المطابقة؛ لأنَّ «درجات» جَمْع، و «أجْراً» مفرد، كذا ردَّه بعضهم، وهي غَفْلَة؛ فإنَّ «أجراً» مَصْدرٌ، والأفْصَح فيه يُوَحَّدَ ويُذَكَّر مكلقاً، [وقيل: انتصب على التَّمْيِيز، و «دَرَجَاتٍ» عَطْف بَيَان] .