هَاتين الحَالَتَيْن، أو لأن حدته تَفْسُد بالبَلَلِ، ولمّا رَخَّص في وَضْعَ السِّلاح] حالَ المَطَرِ والمَرَضِ، أمر بالتَّيَقُّظ والحَذِر؛ لِئَلَاّ يَهْجُم العَدُو عليهم.
روى الكَلْبِيُّ: عن أبي صَالِح، عن ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - نزلت في رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، «وذَلِكَ أنَّه غَزا مُحَارِباً وبني أنمارٍ، فنزلوا ولا يَرون من العَدُوِّ أحداً، فوضع النَّاس أسْلِحَتَهُم، وخرج رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لِحَاجَة له قد وضع سِلاحه، حتى قطع الوَادِي والسَّماء تَرُشُّ، فَحَالَ الوادي بَيْنَ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبين أصْحَابَه؛ فجلس رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في ظلِّ شجرة، فَبَصُر بِهِ غوْرَث بن الحَارِث بما شئت، ثم أهْوَى بالسَّيف إلى رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليضْرِبَه، فانكب لوجِهِهِ من زَلْخَةٍ زُلخَها بَيْنَ كَتِفَيْه، وندر سَيْفَه، فقام رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأخذه، ثم قال: يا غَوْرَث، من يَمْنَعُك مِنِّي الآن؟ قال: لا ولكن أشهد ألا أقاتِلك أبَداً ولا أعينُ عليك عدوّاً، فأعطاه رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سَيْفَه، فقال غَوْرَث: والله أنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أجلْ أنا أحَقُّ بذلك مِنْك، فرجَعَ غَوْرَث إلى أصْحَابِه، فقالوا: ويْلَكَ ما مَنَعَك مِنْهُ، قال: لقد أهْوَيتُ إليه بالسَّيْف لأضربه فوالله ما أدْرِي من زَلَخَنِي بين كَتفي فخررت لوجِْهي، وذكر حَالَه قال: وسكن الوادي، فقطع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الوادي وأصْحَابه فأخبرهم الخبر»
، وقرأ هذه الآية:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مرضى أَن تضعوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} أي: من عدُوِّكم، وقال سعيدُ بن جُبَير عن ابن عبَّاس في هذه الآية: كان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْف جَرِيحاً.
فصل
أمر أولاً بأخذ الحَذَر والأسلحة، فَدَلَّ على وُجُوبِهِ، ويؤكِّدُه قوله ههنا: لا جناح عليكم إن كانَ بَكُمْ أذَى من مَطَرٍ أَوْ كنتم مَرْضَى [أن تضعوا أسلحتكم] فخصَّ رفع الجُنَاح في وَضْع السِّلاح بهاتين الحَالَتين، وذلك يَدُلُّ على أنَّ ما عَدَا هَاتَيْن الحَالَتَيْن، يكون الأثْم والجناحُ حَاصِلاً بسبب وضع السِّلاحِ. وقال بعضُهم: إنه سُنَّة مؤكَّدة، ثم الشَّرط: ألَاّ يحمل