للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أما النَّقْل: فقوله - تعالى -: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلَاّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} [البقرة: ٢٤٩] ، وحُكِيَ عن الشيطان قوله {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلَاّ قَلِيلاً} [الإسراء: ٦٢] ، وقوله: {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [الحجر: ٣٩، ٤٠] ، ولا شك أن المُخْلَصِين قليلُون.

وأمَّا العَقْل: فهو أنّ الفُسَّاق والكُفَّار كُلَّهم حِزْب إبليس. إذا ثَبَت هذا، فلفظ النَّصِيب إنَّما يتناول القِسْم الأوّل.

فالجواب: أنَّ هذا التَّفَاوُت إنَّما يَحْصُل في نَوْع من البَشَر، أمَّا إذا ضَمَمت زُمْرَة الملائِكَة مع غَاية كَثْرَتِهِم إلى المُؤمنين، كانت الغَلَبَة للمُؤمِنِين.

وأيضاً: فالمُؤمِنُون وإن كانُوا قَلِيلين في العَدَدِ، إلَاّ أن مَنْصِبَهُم عَظِيم عند الله، والكُفَّار، والفُسَّاق وإن كانُوا أكْثَر في العددِ، فهم كالعَدَم؛ فلهذا وقع اسم النَّصِب على قَوْم إبْلِيس.

قوله: «ولأضِلَّنَّهُم» يَعْنِي: عن الحَقِّ، أو عن الهُدَى، وأراد به: التَّزْيين، وإلا فليْس إليه من الإضْلال شَيْء.

ولأمَنِّيَنَّهم: بالباطل، ولآمُرَنَّهم: بالضلال، كذا قدَّره أبو البقاء، والأحْسَنُ أن يُقَدَّر المحذُوفُ، من جنس المَلْفُوظِ به، أي: ولآمُرَنَّهم بالبَتْكِ، ولآمُرَنَّهم بالتَّغْيير.

وقرأ أبو عمرو فِيما نَقَل عنه ابْن عَطِيَّة: «ولامُرَنَّهم» بغيرِ ألفٍ، وهو قصرٌ شاذٌّ لا يُقاسُ عليه، ويجُوز ألَاّ يُقَدَّر شَيءٌ من ذلك؛ لأنَّ القَصْدَ: الإخْبَارُ بوقوعِ هذه الأفْعَال من غيرِ نَظَرٍ إلى مُتعلَّقاتِها، نحو: {كُلُواْ واشربوا} [الطور: ١٩] .

فصل

قالت المُعْتَزِلَة: قوله: «ولأضِلَّنَّهُم» يدل على أصْلَيْن عظيمين:

أحدهما: أن المُضِلَّ هو الشَّيْطَان، وليس المُضِلُّ هو اللَّه - تعالى -؛ لأنَّ الشيطان ادَّعى ذَلِك، والله - سبحانه وتعالى - ما كذَّبَهُ فيه، فَهُو كقوله: {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: ٣٩] وقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلَاّ قَلِيلاً} [الإسراء: ٦٢] وقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} [الأعراف: ١٦] ، وأيضاً: فإنه - تعالى - وَصَفَه بكونه مُضِلاًّ [للنَّاسِ] في معرض الذَّمِّ له، وذلك يَمْنَع من كون الإله مَوْصُوفاً بذلك.

[الثاني: أن أهْل السُّنَّة يقُولُون: الإضْلال عِبَارة عن خَلْق الكُفْر والضَّلال، ونَحْنُ نَقُول: لَيْس الإضلال عِبَارة عن خَلْقِ الكُفْرِ والضَّلال] ؛ لأن إبْلِيس وَصَفَ نَفْسَه بأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>