بَاطِلاً؛ لأنَّ تلك الأمَانِي لا تُفِيدُ إلا المَغْرُور؛ وهو أن يَظُنَّ الإنْسَان بالشيء أنه نَافِعٌ لدينه، ثم يَتَبَيَّن اشْتِمَالُه على أعْظَم المَضَارِّ.
قوله «إِلَاّ غُرُوراً» يُحْتمل أن يكونَ مَفْعولاً ثانياً، وأن يكُون مفعولاً من أجْله، وأن يكون نعت مَصْدرٍ محذوفٍ، أي: وعْداً ذا غُرور، وأنْ يكونَ مَصْدراً على غير الصَّدْرِ؛ لأنَّ «يَعِدُهم» في قوة يَغُرُّهم بوعْدِهِ.
ف {أولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} «أولئك» : مبتدأ، و «مأواهم» : مبتدأ ثانٍ، و «جهنم» : خبر الثَّانِي، [والجُمْلَة خبر الأوَّل] وإنما قال: «مأواهُم جَهَنَّم» ؛ لأن الغُرُور عِبَارة عن الحَالَةِ التي يُسْتَحْسَنُ ظَاهِرُهَا، ويَحْصُل النَّدَم عند انْكِشَاف الحَالِ فيها، والاستِغَراق في طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا، وفي مَعَاصِي الله - تعالى -، وإن كان في الحَالِ لَذِيذٌ، إلا أن عَاقِبَتَهُ جَهَنَّم، وسُخْطُ الله [- تعالى -] ، وهذا معنى الغُرُور.
ثم قال {وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً} ، فقوله «عَنْهَا» : يجُوز أن يَتعلَّق بِمَحْذُوف:
إمَّا على الحَالِ من «مَحِيصاً» لأنَّه في الأصْلِ صِفَةٌ نكرةٍ قُدِّمَتْ عليها، وإمَّا على التَّبْيين أي: أعني عنها، ولا يجوزُ تعلُّقُه بمحْذُوفٍ؛ لأنه لا يتعدَّى ب «عَنْ» ولا ب «مَحِيصاً» ، وإنْ كان المَعْنَى عليه لأنَّ المَصْدَر لا يتقدَّمُ معمولُه عليه، ومَنْ يَجوِّزُ ذلك، يُجَوِّزُ تعلُّق «عن» به، والمَحِيصُ: اسمُ مَصْدر من حَاصَ يَحِيص: إذا خَلَص ونَجا، وقيل: هو الزَّوَغَان بنُفُور، ومنه قولُه: [الطويل]
١٨٧٩ - وَلَمْ نَدْرِ إنْ حِصْنا مِنَ المَوْتِ حَيْصَةً ... كَمِ الْعُمْرُ بَاقٍ والمَدَى مُتَطَاوِلُ
ويروي: «جِضْنا» بالجيم والضَّاد المعجمة، ومنه: «وَقَعُوا في حَيْصَ بَيْصَ» ، وحَاصَ بَاص، أي: وقعوا في أمْرٍ يَعْسرُ التَّخلُّص منه، ويقال: مَحِيص ومَحَاص، قال: [الكامل]
١٨٨٠ - أتَحِيصُ مِنْ حُكْمِ الْمَنِيَّةِ جَاهِداً ... مَا لِلرِّجَالِ عِنِ المَنُونِ مَحَاصُ
ويقال: حاصَ يَحُوص حَوْصاً وحِيَاصاً أي: زَايَل المكانَ الذي كان فيه، والحَوْصُ: ضِيقُ مُؤخر العين، ومنه: الأحْوَصُ.
قال الواحِدِي: الآية تَحْتَمِل وَجْهَيْن:
أحدهما: أنه لا بُدَّ لهم من وُرُودِ النَّارِ.
والثَّاني: الخُلُود الذي هو نَصِيبُ الكُفَّار.