للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأوّل: أن العَرَب كانت لا تُورثُ النِّساء والصِّبْيَان شيئاً من المِيراثِ؛ كما ذكرنا في أوَّلِ السُّورَةِ، فنزلت هذه الآية في تَوْريثهم، قال ابن عبَّاسٍ: يريد ما فَرَضَ لَهُنَّ من المِيرَاثِ.

الثاني: أن الآية نزلت في تَوْفِية الصَّداق لَهُنَّ، وكانت اليتيمَةُ تكون عند الرَّجُلِ، فإن كانت جَمِيلةً ومَالَ إلَيْهَا، تزوَّجَ بها وأكَلَ مالها، وإن كانت ذَمِيمَةً، منعها الأزْوَاجَ حتى تَمُوتَ، فأنزل اللَّه هذه الآية.

قوله: «وتَرْغبون» فيه أوْجُه:

أحدُها: - وهو الظاهر - أنه مَعْطُوفٌ على الصِّلةِ، عطف جملةٍ مُثْبَتةٍ على جُمْلةٍ منفية، أي: اللَاّتي لا تُؤتُونَهُنَّ، واللاًّتي ترغبُون أن تَنْكحوهُنَّ؛ كقولك: «جاء الَّذِي لا يَبْخَلُ، ويُكْرِم الضِّيفَان» .

والثاني: أنه مَعْطُوفٌ على الفَعْلِ المَنْفِيِّ ب «لا» أي: لا تؤتُونَهُن ولا تَرْغَبُون.

والثالث: أنه حَالٌ من فاعِل «تؤتونهن» أي: لا تؤتُونَهُنَّ، وأنتم رَاغِبُون فِي نِكاحِهِنَّ، ذكر هذين الوجْهَيْن أبو البقاء، وفيهما نَظَر: أمّا الأولُ: فلخلافِ الظَّاهِر، وأما الثَّانِي: فلأنه مُضَارع فلا تَدْخُل عليه الواوُ إلا بِتَأويلٍ لا حَاجَة لنا بِهِ هَهُنَا.

و «أن تَنْكِحُوهُنَّ» على حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ، ففيه الخلاف المَشْهُور: أهي في محل نَصْب أم جر؟ واختُلِفَ في تَقْدير حرف الجَرِّ.

فقيل: هو «في» أي: تَرْغبُون في نِكَاحِهِنَّ؛ لقُبْحهن وفَقْرهنَّ، وكان الأوْلِيَاء كذلك: إن رَأوها جَمِيلَةً مُوسِرَةً، تزوجها وَليُّها، وإلَاّ رغبَ عَنْها، والقَوْل الأوَّل مَرْوِيٌّ عن عَائِشَة وطَائِفَة كَبِيرةٍ.

قال أبو عُبَيْدَة: هذه الآية [تَحْتَمِل] الرَّغْبَة والنَّفْرَة.

فإن حَمَلْته على الرًّغبة، كان المعنى: وتَرْغَبُون أن تَنْكِحُوهُنَّ.

وإن حملته على النَّفْرة، كان المَعْنَى: وترغبون عن أن تنكحوهن؛ لدمامتهن.

فإن قيل: إن النحاة ذكروا أن حَرْف الجَرِّ يجوز حذفُه باطِّرادَ مع «أنْ» و «أنَّ» بِشَرْط أمْنِ اللَّبْس، يعني: أن يكون الحَرْفُ متعيّناً، نحو: «عَجبْت أن تَقُوم» أي: من أن تَقُوم، بخلاف «مِلْتُ إلى أنْ تَقُوم» أو «عَنْ أنْ تَقُوم» والآيةُ من هذا القَبِيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>