وروى سُليْمَان بن يَسَار، عن ابن عبَّاسٍ: فإن صَالَحَتْهُ عن بَعْضِ حقها من القَسْم والنَّفَقَةِ،] فذلك جائز ما رَضِيت، فإن أنْكَرَت بعد الصُّلْح، فذلك لَهَا، ولها حَقُّهَاِ.
ثم قال:«والصُّلْح خَيْر»[يعني: إقَامَتَهَا] بعد تَخْييره إيَّاهَا، والمُصَالَحة على تَرْك بَعْضِ حَقِّها، خَيْر من الفُرقَة.
كما رُوِي أن سَوْدة كانت امْرأةً كبِيرةً، أراد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يُفَارِقَهَا، فقالت: لا تطلِّقْنِي، وكفاني أن أبْعَث في نِسَائِكَ، وقد جَعَلْتُ نوبتي لِعَائِشَة، فأمْسَكَها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وكان يَقْسِمُ لِعائِشَة يَوْمَها ويَوْمَ سَوْدَة.
فصل
قال - تعالى -: {فَلَا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا} ، وذلك يُوهِمُ أنَّه رخصة، والغايةُ فيه: ارْتِفَاع الإثْم، فبين - تعالى - أنَّ هذا الصُّلح كما أنَّه لا جُنَاح فيه ولا إثْم، ففيه خَيْر عَظِيمٌ.
قوله:{وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح}«حَضَر» يتعدى إلى مَفْعُول، واكتسب بالهمزة مفعُولاً ثانياً، فلمَّا بُني للمفعُول، قامَ أحدهما مقام الفاعل، فانتصب الآخرُ، والقائمُ مقام الفاعِلِ هنا يَحْتمل وجهين:
أظهرهما - وهو المشهُورُ من مذاهب النُّحَاة -: أنه الأول وهو «الأنْفُسُ» فإنه الفاعِل في الأصْلِ، إذ الأصْل:«حَضرت الأنْفُسُ الشُحَّ» .
والثاني: أنه المفعُول الثاني، والأصل: وحضر الشُحُّ الأنْفُسَ، ثم أحْضَر اللَّهُ الشُحَّ الأنْفُسَ، فلما بُنِيَ الفِعْل للمفعُول أقيم الثانِي - وهو الأنْفُسُ - مقامَ الفَاعِلِ، فأخِّر الأوَّل وبقي منصوباً، وعلى هذا يَجُوز أن يُقَال:«أُعْطِي درهمٌ زَيْداً» و «كُسِي جُبَّة عَمراً» ، والعَكْس هو المشهُورُ كما تقدَّم، وكلامُ الزَّمَخْشَرِي يَحْتمل كَوْنَ الثاني هو القَائِم مقام الفاعل؛ فإنه قال:«ومعنى إحْضَارِ الأنْفُس الشُحَّ: أنَّ الشُحَّ جُعِل حَاضِراً لها، لا يَغِيب الفاعل؛ فإنه قال:» ومعنى إحْضَارِ الأنْفُسِ الشُحَّ: أنَّ الشُحَّ جُعِل حَاضِراً لها، لا يَغِيب عنها أبداً ولا يَنْفَكُّ «يعني: أنها مَطْبُوعةٌ عليه، فأسْنِد الحضور إلى الشُحِّ كما ترى، ويحتمل أنه جعله من باب القلْب، فنسب الحُضُورَ إلى الشُحِّ، وهو في الحقيقة مَنْسُوبٌ إلى الأنْفس. وقرأ العَدَوِي:» الشِّحَّ «بكسر الشين وهي لُغَة، والشُّحُّ: البُخْل مع حرص؛ فهو أخَصُّ من البُخْل.
قال القرطبي: وهذه الآية إخبار في كُلِّ أحدٍ، وأنَّ الإنْسَان لا بُد أن يشح بِحُكْم