للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

خِلْقَتِه، وجبلَّته، حتى يَحْمِل صَاحِبَه على بَعْض ما يَكْرَه، ويقال: الشُحُّ: هو البُخْل، وحقيقته: الحِرْص على مَنْع الخَيْر. والمُرادُ به ههنا: شُح كل واحدٍ من الزَّوْجَيْن بِنَصِيبهِ من الآخَر، فَتَشِحُّ المرأة: ببذل حقِّها، ويَشِحُّ الزَّوْج: بأن يَنْقَضِي عمره مَعَهَا مع دَمَامَة وَجْهِها، وكبر سِنِّها، وعدم حُصُول اللَّذَّة بِمُجَالَسَتِها.

فصل

قال القرطبي: والشُّحُّ: الضبط على المُعْتَقَدَات والإرادَة، وفي الهِمَمِ والأمْوال، ونحو ذلك، فما أفْرِط منه على الدِّين، فهو محمود، وما أفْرِطَ منه في غَيْرِهِ، ففيه بَعْض المذمَّة. وهو قوله - تعالى -: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [التغابن: ١٦] الآية، وما صَار مِنْه إلى حَيِّز مَنْع الحُقُوقِ [الشَّرعيَّة] أو الَّتِي تَقْتَضِيهَا المُرُوءة، فهو البُخْلُ؛ [و] هي رذيلة، وإذا آلَ البُخْل إلى هَذِه الأخْلَاق المَذْمُومَةِ، لم يبق [معه] خيرٌ ولا صَلَاحٌ.

روى الماوَرْدِيُّ:» أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال للأنْصَار: من سَيِّدُكُم؟ قالوا: الجَدُّ بن قَيْس على بُخْلٍ فيهه؛ فقال النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «وأي داء أدْوَى من البُخْل» قالوا: وكيف ذَاكَ يا رسُولَ اللَّه؟ قال: إنَّ قوماً نزلوا بسَاحِل، فكرهوا لِبُخْلِهِم نُزُولَ الأضْيَافِ بِهِم، فقالوا: ليَبْعد [الرِّجَال] منَّا عن النِّساء؛ حتى يَعْتَذِر الرَّجَال إلى الأضْيَافِ ببعد النِّسَاء، ويعتَذِر النِّسَاء ببُعْد الرَّجَالِ، ففعلوا وطال ذَلِكَ فِيهِمْ، فاشْتَغَل الرَّجَال بالرَّجَال، والنِّسَاء بالنِّسَاء «.

ثم قال:» وإنْ تُحْسِنُوا «أي: تُصْلِحُوا» وتَتَّقوا «: الجور.

وقيل: هذا خِطَابٌ مع الأزواج، أي: وإن تُحْسِنُوا بالإقَامَة مَعَها مع الكَرَاهَةِ، وتتقوا ظُلْمَها بالنُّشُّوزِ والإعْرَاض.

وقيل [هو] خِطاب لغيرهما، أي: تُحْسِنُوا في الصُّلْح بينهما، وتَتَّقُوا المَيْل إلى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فإن اللَّه كان بما تَعْمَلُون خَبِيراً، فيجزيكم بأعْمَالِكُم.

حكى صَاحِب الكَشَّاف: أن عِمْرَان بن حطَّان الخَارِجيَّ كان من أذَمِّ بني آدَم، وامرأته من أجْمَلِهِم، فَنَظَرَت إليه يَوْماً، ثم قالت: الحَمْدُ للَّهِ، فقال: مَا لَكِ؟ فقالت حَمَدْتُ اللَّه على أنِّي وإيَّاك من أهْل الجَنَّة؛ لأنك رُزِقْتَ مِثْلِي، فشكَرْت، ورُزِقْتُ مِثْلك؛ فَصَبَرْتُ، وقد وَعَد اللَّه بالجَنَّة الشَّاكرين والصَّابرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>