للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تَعْدِلوا، أو إرادةَ أنْ تَعْدِلوا، أي: تَعْدِلوا عن الحَقِّ وتجُوروا.

وقال أبو البقاء في المضافِ المحذوف: «تقديره: مخافة أن تَعْدلوا عن الحَقِّ» . وقال ابن عَطِيَّة: «يُحْتمل أن يكُونَ مَعْناه: مخافة أن تَعْدِلوا، ويكُون العَدْلُ هنا بِمَعْنى: العُدول عن الحَقِّ، ويُحْتمل أن يكُونَ معناه: مَحَبة أنْ تُقْسِطُوا، فإنْ جعلْتَ العَامِل» تَتَّبِعُوا «فيحتمل أن يكونَ المَعْنَى: محبةَ أنْ تجُوروا» انتهى؛ فتحصَّل لنا في العَامِل وجهان:

الظاهرُ منهما أنه نَفْسُ «تتبعوا» .

والثاني: أنه مُضْمَر، وهو فعلٌ من مَعْنَى النهي؛ كما قدَّره ابنُ عطيَّة، كأنه يزْعمُ أنَّ الكلامَ قد تَمَّ عند قوله: {فَلَا تَتَّبِعُواْ الهوى} ثم أضْمَرَ عَامِلاً، وهذا ما لا حَاجَة إليه.

الثاني: أنه على إسْقَاطِ حرْفِ الجَرِّ، وحذْفِ «لا» النَّافِية، والأصْل: فلا تتَّبعوا الهَوَى في ألَاّ تَعْدِلوا، أي: في تَرْكِ العَدْل، فحذف «لا» لدلالة المَعْنَى عَلَيْهَا، ولمَّا حَذَف حَرْفَ الجر من «أنْ» جرى القَوْلان الشَّهِيرَان.

الثَّالث: أنه عَلَى حَذْفِ لام العِلَّة، تقديرُه: فلا تتبعوا الهوى؛ لأن تَعْدِلوا.

قال صَاحِب هذا القول: «والمعنى: لا تتبعُوا الهوى؛ لتكونوا في اتِّباعِكُمُوه عدُولاً، تنبيهاً على أن اتباعَ الهوى وتَحَرِّي العدالةِ مُتَنَافيان لا يجتمعان» وهو ضَعِيفٌ في المَعْنَى.

قوله: «وَإِن تَلْوُوا» قرأ ابن عامرٍ، وحمزة: «تَلُوا» بلامٍ مَضْمُومةٍ وواوٍ ساكنة، والبَاقُون: بلامٍ ساكنةٍ وواوَيْن بعدهَا، أولاهُمَا مَضْمُومة.

فأمَّا قراءةُ الوَاوَيْن، فظاهرةٌ؛ لأنه من لَوَى يَلْوي، والمعْنَى: وإنْ تَلْووا ألسِنَتِكُم عن شهادةِ الحَقِّ أو حكومَةِ العَدْل، والأصْلُ: تَلْوِيُون كتَضْرِبون، فاستُثْقِلَت الضَّمَّةُ على اليَاءِ فحُذفت، فالتقى سَاكِنَان: الياء وَوَاو الضَّمِير، فحُذِف أوّلُهما - وهو الياء - وضُمَّت الواوُ المكْسُورةُ التي هِيَ عَيْن لأجْل واوِ الضميرِ، فصار: تَلْوُون، وتصريفُه كتصريف «تَرْمُونَ» .

فإن كان عَنِ الشَّهادة، فالمَعْنَى: يحرِّفُوا الشَّهادة؛ ليُبْطِلُوا الحقَّ، من قولهم: لوى الشيء، إذا فتله، ومنه يُقَال: التَوَى هذا الأمْر، إذا تَعَقَّد وتعسَّرَ، تشبيهاً بالشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>