للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المُنْفَتِل، أو تُعْرِضُوا عنها فَتَكْتُمُوهَا، أو يُقَال: تَلْوُوا في إقامة الشَّهَادة إذا تَدَافَعُوا، يقال: لَوَيْتُه حَقَّه؛ إذا دَفَعْتَه وأبْطلْتَه.

وإن كان عَنَى الحُكْم بالعَدْل، فهو خِطَاب للحُكَّام في لَيِّهم الأشداق، يقول: «وَإِن تَلْوُواْ» أي: تميلُوا إلى أحَدِ الخَصْمَيْن، أو تُعْرِضُوا عنه.

وأما قراءة حمزة وابنِ عامرٍ، ففيها ثلاثة أقوال:

أحدُها: وهو قول الزَّجَّاج، والفراء، والفارسي في إحدى الرِّوايَتَيْن عنه - أنه من لَوَى يَلْوي؛ كقراءة الجماعة، إلَاّ أنَّ الوَاوَ المَضْمُومةَ قُلِبَتْ هَمْزةً؛ كقلبها في «أجُوه» و «أُقِّتَتْ» ، ثم نُقِلت حركةُ هذه الهَمْزةِ إلى السَّاكن قَبْلَها وحذفت، فصار: «تَلُون» كما ترى.

الثاني: أنه من لَوَى يَلْوي أيضاً، إلا أن الضَّمَّة استُثْقِلَتْ على الواو الأولى فنُقِلت إلى اللام السَّاكِنَة تَخْفِيفاً، فالتقى ساكِنَان وهما الواوان، فحُذِف الأوَّل مِنْهُما، ويُعْزى هذا للنَّحَّاسِ، وفي هَذَيْن التخريجَيْن نظرٌ؛ وهو أنَّ لامَ الكَلِمَة قد حُذِفَتْ أولاً كما قَرَّرْته، فصار وَزْنُه: تَفْعُوا، بحذف اللَاّم، ثم حُذِفت العَيْنُ ثانياً، فصار وزنه: تَفُوا، وذلك إجْحَافٌ بالكلمة.

الثالث: ويُعْزى لجَمَاعةِ منهم الفَارسيُّ - أن هذه القِرَاءة مأخُوذة من الولاية، بمعنى، وإنْ وُلِّيتم إقَامة الشَّهَادة أو وُلِّيْتُم الأمرَ، فتَعْدِلُوا عنه، والأصل: «تَوْلِيُوا» فحذفت الواوُ الأولى لِوُقُوعِها بين حَرْفِ المُضَارَعَةِ وكسرةٍ، فصار: «تَلِيُوا» كتَعِدُوا وبَابِه، فاستثقلت الضَّمَّةُ على الياءِ، ففُعِل بها ما تَقَدَّم في «تَلْوُوا» ، وقد طَعَنَ قومٌ على قِرَاءة حَمْزة وابن عامرٍ - منهم أبو عُبَيْد - قالوا: لأنَّ معنى الوِلَاية غيرُ لائقٍ بهذا المَوْضِع.

قال أبو عبيد: «القراءةُ عندنا بوَاوَيْن مأخوذةٌ من:» لَوَيْتُ «وتحقيقه في تفسيرِ ابن عبَّاسٍ: هو القَاضِي، يكُونُ لَيُّه وإعراضُه عن أحد الخَصْمَيْن للآخر» وهذا الطعنُ ليس بِشَيْء؛ لأنها قراءةٌ متَواتِرَةٌ ومعناها صَحيحٌ؛ لأنَّه إن أخَذْناها من الوِلَاية كان المَعْنَى على ما تقدَّم، وإن أخذناها مِنَ الليِّ، فالأصلُ: «تَلْوُوا» كالقراءة الأخْرى، وإنما فُعِل بها ما تَقَدَّم من قَلْبِ الوَاوِ هَمْزةً ونَقْل حركتها، أو من نَقْلِ حَرَكَتِها من غير قَلْبٍ، فتتَّفِقُ القراءَتَان في المَعْنَى.

ثم قال: {فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} وهذا تهديدٌ ووعيدٌ للمذنِبِين، ووعد بالإحْسَان للمُطِيعينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>