للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: «كثيراً» فيه ثلاثة أوجه:

أظهرها: أنه مفعول به، أي: بصدِّهم ناساً، أو فريقاً، أو جمعاً كثيراً، وقيل: نصبُه على المصدرية، أي: صَدّاً كثيراً، وقيل: على ظرفية الزمان، أي: زماناً كثيراً، والأوَّل أوْلَى؛ لأنَّ المصادر بَعْدها ناصبةٌ لمفاعليها، فيجري البابُ على سَنَنٍ واحدٍ، وإنما أعيدتِ الباءُ في قوله: «وَبِصَدِّهِمْ» ولم تَعُدْ في قوله: «وأخْذِهِمْ» وما بعده؛ لأنه قد فُصِلَ بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس معمولاً للمعطوف عليه، بل بالعامل فيه وهو «حَرَّمْنَا» وما تعلَّق به، فلمَّا بَعُد المعطوف من المعطوف عليه بالفصْلِ بما ليس معمولاً للمعطُوف عليه، أعيدت الباءُ لذلك، وأمَّا ما بعده، فلم يُفْصَلْ فيه إلا بما هو معمولٌ للمعطُوفِ عليه وهو «الرِّبَا» . {وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ} في التوراة.

والجملةُ من قوله تعالى: {وَقَدْ نُهُواْ عَنْه} : في محلِّ نصب؛ لأنها حاليةٌ، ونظيرُ ذلك في إعادة الحرفِ وعدمِ إعادته ما تقدَّم في قوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ} [الآية ١٥٥] الآية. [وبِالبَاطِلِ «يجوز أن يتعلق ب» أكْلِهِم «على أنها سببيةٌ أو بمحذوفٍ على أنها حال من» همْ «في» أكْلِهِمْ «، أي: ملتبسين بالباطل.

وأمَّا التَّشْدِيدُ في الآخِرَة، وهو قوله: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} لما وصَفَ طَريقَةَ الكُفَّارِ والجُهَّال من اليَهُودِ، وصَفَ طَريقَة المُؤمِنِين المُحِقِّين مِنْهُم، فقال: {لكن الراسخون فِي العلم} جيء هنا ب «لَكِنْ» لأنها بين نقيضين، وهما الكفارُ والمؤمنون، و «الرَّاسِخُونَ» مبتدأ، وفي الخبر احتمالان:

أظهرهما: أنه «يُؤمِنُونَ» .

والثاني: أنه الجملة من قوله: «أولَئِكَ سنؤتيهم» ، و «فِي العِلْمِ» متعلقٌ ب «الرَّاسِخُونَ» . و «منْهُمْ» متعلِّق بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في «الرَّاسِخُونَ» .

فصل

مَعْنَى الكلام: لَيْسَ أهْلُ الكِتَابِ كُلُّهُم بهذه الصِّفَةِ، لكنِ الرَّاسِخُونَ المُبَالِغُون في العِلْمِ مِنْهُم أولُو البَصَائِر، وأراد به: الذين أسْلَمُوا؛ كعَبْد الله بن سلام وأصْحَابه.

قوله تعالى: {والمؤمنون} عطفٌ على «الرَّاسِخُونَ» ، وفي خبره الوجهان المذكوران في خبر «الرَّاسِخُونَ» ولكن إذا جَعَلْنا الخبرَ «أولَئِكَ سَنُؤتِيهِمْ» ، فيكون يؤمنون ما محلُّه؟ والذي يَظْهر أنه جملة اعتراض؛ لأنَّ فيه تأكيداً وتسديداً للكلام، ويكون الضَّمير في «يُؤمِنُونَ» يعود على «الرَّاسِخُونَ» و «المُؤمِنُونَ» جميعاً، ويجوز أن تكون حالاً منهما؛ وحينئذٍ لا يُقال: إنها حال مؤكِّدة لتقدُّم عاملٍ مشاركٍ لها لفظاً؛ لأنَّ الإيمانَ فيها مقيَّدٌ، والإيمانُ الأولُ مُطْلَقٌ، فصار فيها فائدةٌ، لم تكُنْ في عاملها، وقد يُقَالُ: إنها مؤكِّدة بالنسبةِ لقوله: «يُؤمِنُونَ» ، وغيرُ مؤكِّدة بالنسبة لقوله: «الرَّاسِخُونَ» ، والمراد ب «المُؤمِنُونَ» المهاجُرونَ والأنْصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>