أن يقول: قال قولاً فكذا لمَّا قال: «تَكْلِيماً» وجَبَ أن يكُون كلاماً على الحَقِيقَةِ.
ومعنى الآية: أنَّ الله - تعالى - ذكر هَؤلاء الأنْبِيَاء والرُّسُل [وخص مُوسَى] بالتكْلِيم مَعَهُ ولم يَلْزَم مِنْ تَخْصِيصِ مُوسَى عليه السلام بهَذَا التَّشْرِيف، الطَّعْن في نُبُوة الأنْبِيَاء - عليهم السلام -، فكَذَلِك لا يلزم من إنْزَالُ التَّوْرَاة دفْعَةً واحِدَةً الطَّعْن فيمن أُنْزِل عليه الكِتَاب مُفَصَّلاً.
وقرأ إبْراهيم ويَحْيَى بن وَثَّاب: بنَصْبِ الجلالة.
وقال بعضُهُم:{وَكَلَّمَ الله [موسى تَكْلِيماً] } معناه: وجَرَحَ اللَّهُ مُوسَى بأظْفَار المحن ومَخَالِب الفَتن، وهذا تَفْسِيرٌ بَاطِلٌ.
وقد جاء التأكيد بالمصدر في ترشيح المجاز؛ كقول هند بنت النعمانِ بن بشير في زوْجِها رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ وزيرِ عبد الملِكِ بْنِ مَرْوَانَ:[الطويل]
تقول: إنَّ زوْجَها رَوْحاً قد بكَى ثيابُ الخَزِّ مِنْ لُبْسِهِ؛ لأنه ليس من أهل الخَزِّ، وكذلك صرخَتْ صُرَاخاً من جُذَام - وهي قبيلة رَوحٍ - ثيابُ المطارِفِ، تعني: أنهم ليسوا من أهل تلك الثياب، فقولها:«عَجَّتِ المَطَارِفُ» مجازٌ؛ لأن الثياب لا تعجُّ، ثم رَشحَتْهُ بقوله عَجِيجاً، وقال ثَعْلَبٌ: لولا التأكيد بالمصدر، لجاز أن يكونَ كما تقول:«كَلَّمْتُ لك فُلاناً» ، أي: أرسلْتُ إليه، أو كتبتُ له رُقْعةً.
قوله تعالى:{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ} : فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه بدل من «رُسُلاً» الأول في قراءة الجمهور، وعبَّر الزمخشريُّ عن هذا بنصبه على التكْريرِ، كذا فهم عنه أبو حيان.
الثاني: أنه منصوبٌ على الحال الموطِّئة؛ كقولك:«مَرَرْتُ بِزَيْدٍ رَجُلاً صَالِحاً» ، ومعنى الموطِّئة، أي: أنَّها ليست مقصودةً، إنما المقصودُ صفتُها؛ ألا ترى أن الرجوليَّة مفهومة من قولك «بِزَيْدٍ» ، وإنما المقصودُ وصفه بالصلاحية.
الثالث: أنه نُصِبَ بإضمار فعل، أي: أرْسَلْنا رُسُلاً.