فَحَمَلَتْ بإذْنِ اللَّه، سُمِّي النَّفْخُ «رُوحاً» ؛ لأنَّه ريحٌ يخْرُجُ من الرُّوح، وأضافَهُ إلى نَفْسِهِ؛ لأنه كان بأمْرِهِ.
والرُّوح والرِّيحُ مُتَقَارِبَانِ، فالرُّوحُ: عِبَارَةٌ عن نَفْخِ جِبْرِيلٍ - عليه السلام -، وقوله:«مِنْهُ» يعني: أنَّ ذلِك النَّفْخَ من جِبْرِيل كان بأمْر الله وإذْنه، فَهُو مِنْهُ؛ وهكذا قولُه:{فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا}[التحريم: ١٢] .
وقيل:«رُوحٌ مِنْهُ» أي: رَحْمَةً مِنْهُ، فكان - عليه السلام - رحْمَة لمن تبعَهُ، وآمَن بِهِ، من قوله -[تعالى]-: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ}[المجادلة: ٢٢] . أي: برحْمَةٍ مِنْهُ وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «إنَّما أنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» .
وقيل: الرُّوحُ الوَحِي، أوْحَى إلى مَرْيَمَ بالبشَارَة، وإلى جِبْرِيلَ بالنَّفْخِ، وإلى عيسى أن كُنْ فكان؛ كقوله -[تعالى]-: {يُنَزِّلُ الملاائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ}[النحل: ٢] . يعني: بالوَحْي؛ وقال - تعالى - في صِفَةِ القُرْآنِ:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}[الشورى: ٥٢] .
وقيل: أراد بالرُّوح: جِبْريل، مَعْنَاهُ: كَلِمتهُ ألْقَاهَا إلى مَرْيَمَ، وألْقَاها - أيضاً - رُوحٌ مِنْهُ بأمْرِهِ، وهو جِبْرِيلُ [- عليه السلام -] ؛ كقوله:{تَنَزَّلُ الملائكة [والروح فِيهَا] }
وقيل: لما جَرْت عادَةُ النَّاسِ أنَّهُم إذا وَصَفُوا شيئاً بِغَايَة الطَّهارَة والنَّظَافة، قالوا: إنَّه روحٌ، فلما كان عيسَى لَمْ يتكوَّن مِنْ نُطْفَةٍ، وإنما من نَفْخَة جِبْرِيل - عليه السلام - لا جَرَم وُصِفَ بأنَّهُ روحٌ، والمراد من قوله:«مِنْهُ» التَّشْرِيف والتَّفْضِيل؛ كما يقال: هذه نِعْمَةٌ من الله، أي: تلك النِّعْمَة الكَامِلَة الشَّريفَة.
وقيل: إنه كان سَبَباً لحياة الخَلْقِ في أدْيَانهم، [فوُصِفَ أنَّه رُوحٌ؛ كما وُصِف القُرْآن في قوله:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}[الشورى: ٥٢] ، سمَّاه رُوحاً؛ لمَّا كان سَبَباً لحياةِ الخَلْق في أدْيَانِهِم] .
وقيل: لما أدْخَل التَّنْكِير في لفظِ «رُوحٌ» أفاد التَّعْظِيم، فكان المَعْنَى: رُوحٌ من الأرْوَاح الشَّريفَة القُدسِيَّة العَالِيَة.