للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فأما أن يُقَالَ: المُرادُ من الآية تَفْضِيل الملائِكَة على المَسيحِ في كَثْرَةِ الثَّوَابِ على الطَّاعَاتِ، فذلك ممَّا لا يُنَاسِب هذا الموضعَ، ولا يَليقُ به.

فظهر أنَّ هذا الاستدْلَال إنَّما قَوِي في الأوْهَام؛ لأن النَّاسَ ما لخّصوا مَحَلَّ النِّزَاع.

وأجاب البغوي عن استدلالهم بهذه الآية؛ فقال: ولا حُجَّة لهم فِيهِ؛ لأنه لم يَقُلْ ذَلِك رَفْعاً لمقامِهِم على مَقَامِ البَشَرِ، بل رَدّاً على الذين يَقُولُون: الملَائِكَة آلِهَةٌ، لما ردَّ على النَّصَارَى قولهم: المَسِيحُ ابْنُ اللَّه، وقال ردّاً على النَّصارَى بزَعْمِهِم؛ فإنَّهُم يقُولُون بتَفْضِيل الملائِكَة، وهذه الآيَةُ تدُلُّ على أنَّ طبقات المَلَائكة مُخْتَلِفةٌ؛ لقوله - تعالى -: {وَلَا الملاائكة المقربون} .

قوله تعالى {فَسَيَحْشُرُهُمْ} الفاءُ يجوز أن تكون جواباً للشَّرْط في قوله: {وَمَن يَسْتَنْكِفْ} ، فإن قيل: جوابُ «إن» الشرطية وأخواتها غير «إذا» لا بدَّ أن يكون محتملاً للوقُوعِ وعدمه، وحشرُهُمْ إليه جميعاً لا بُدَّ منه، فكيف وقعَ جَواباً لها؟ فقيل في جوابه وجهان:

أصحهما: أن هذا الكلام تضمَّن الوعد والوعيد؛ لأنَّ حَشْرَهُمْ يقتضي جزاءَهم بالثوابِ أو العقاب، ويَدُلُّ عليه التفصيلُ الذي بعده في قوله: «فَأَمَّا الذِينَ» إلى آخره، فيكونُ التقديرُ: ومن يَسْتَنْكِفْ عن عبادته ويَسْتَكْبِرْ، فيعذبُهُ عند حَشْرِهِ إليه، ومن لم يستنكفْ ولم يستكبر، فيثيبه.

والثاني: أنَّ الجوابَ محذوف، أي: فيجازيه، ثم أخبر بقوله: {فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً} ، وليس بالبيِّن، وهذا الموضوعُ محتملٌ أن يكون مِمَّا حُمِلَ على لفظةِ «من» تارة في قوله: «يَسْتَنْكِف»«يَسْتَكْبِر» ] فذلك أفرد الضمير، وعلى معناها أخرى في قوله: «فَسَيحْشُرُهُم» ولذلك جمعهُ، ويحتمل أنه أعاد الضمير في «فَسَيحْشُرُهُم» على «مَنْ» وغيرها، فيندرجُ المستنكفُ في ذلك، ويكون الرابطُ لهذه الجملةِ باسم الشرط العمومَ المشارَ إليه، وقيل: بل حَذَفَ معطوفاً لفَهْم المعنى، والتقديرُ: فسيحشُرُهُمْ، أي: المُسْتنكفينَ وغيرَهُمْ، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: ٨١] ، أي: والبَرْدَ.

و «جَميعاً» حالٌ، أو تأكيد عند مَنْ جعلها ك «كُلّ» وهو الصحيح، وقرأ الحسن: «فَسَنحْشُرهُمْ» بنونِ العظمة، وتخفيف باء «فَيُعَذِبُهُمْ» ، وقرئ «فَسَيَحْشِرُهُمْ» بكسر الشين، وهي لغةٌ في مضارع «حَشَرَ» .

وقوله تعالى: {فَأَمَّا الذين} : قد تقدَّم الكلامُ على نظيرتها، ولكن هنا سؤالٌ حسنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>