قاله الزمخشريُّ وهو:«فإن قلت: التفصيل غير مطابقٍ للمفصَّلِ؛ لأنه اشتمل على الفريقين، والمفصَّلُ على فريق واحد، قلتُ: هو مثلُ قولك:» جَمَعَ الإمَامُ الخوارجَ: فمن لم يخرجْ عليه، كساه حُلَّةً، ومن خَرَجَ عليه، نَكَّلَ به «وصحةُ ذلك؛ لوجهين:
أحدهما: أن يحذف ذكرُ أحد الفريقين؛ لدلالةِ التفصيل عليه؛ ولأنَّ ذكرَ أحدهما يدلُّ على ذكر الثاني؛ كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عَقِيبَ هذا:{فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ}[النساء: ١٧٥] .
والثاني: وهو أن الإحسانَ إلى غيرهم مما يَغُمُّهُم؛ فكان داخلاً في جملة التنكيلِ بهم، فكأنه قيل: ومن يَسْتَنْكِف عن عبادته ويَسْتكبرْ فسيعذبُهُم بالحَسْرة، إذا رأوْا أجُورَ العاملين، وبما يصيبُهُم من عذاب الله» . انتهى، يعني بالتفصيل قوله:«فأمَّا» و «أمَّا» ، وقد اشتمل على فريقين، أي: المثابين والمعاقبين، وبالمفصَّل قوله قبل ذلك:«وَمَن يَسْتَنْكِفْ» ، ولم يشتمل إلا على فريقٍ واحدٍ هم المعاقَبُون.
فصل
بيَّن ثواب الَّذِين آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَات أنه يُوَفِّيهم أجُورَهم، ويزيدهُم من فَضْلِه من التَّضعِيف ما لا عيْنٌ رأتْ، ولا أذنٌ سَمِعَت، ولا خطر على قَلْب بَشَر.
قوله:{وَأَمَّا الذين استنكفوا واستكبروا} عن عبادته {فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً} .
وقدم ثواب المُؤمنين على عقاب المسْتَنْكِفِ لأنَّهم إذا رَأوْا ثواب المُطيعين، ثم شَاهَدُوا بعده عقاب أنفسهم، كان ذلك أعْظَم في الحسرة.