ألزمته ذلك باستيثاق، وأصله من عقد الشيء بغيره، ووصله به كما يعقد الحبل بالحبل.
فالعهد إلزام، والعقد التزام على سبيل الإحكام، ولما كان الإيمان هو المعرفة بالله تعالى وصفاته وأحكامه، وكان من جملة أحكامه أنه يجب على الخَلْقِ إظهار الانقياد لله تعالى في جميع تكاليفه وأوامره ونواهيه - أمر بالوفاء بالعقود، أي: أنكم التزمتم بإيمكانكم أنواع العقود والطاعة بتلك العقود.
فصل في الكلام على فصاحة الآية
قال القرطبي: هذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة ألفاظها، لكل بصير بالكلام؛ فإنها تضمنت خمسة أحكام:
الأول: الأمر بالوفاء بالعقود.
الثاني: تحليل بهيمة الأنعام.
الثالث: استثناء ما يلي بعد ذلك.
الرابع: استثناء حال الإحرام فيما يُصَادُ.
الخامس: ما تقتضيه الآية من إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.
وحكى النقاش أن أصحاب الكندي، قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أياماً كثيرة، ثم خرج، فقال: والله ما أقدر، ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة «المائدة» ، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عاماً، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين [ولا] يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد.
فصل في الخطاب في الآية
واختلفوا في هذه العقود، فقال ابن جريج: هذا خطاب لأهل الكتاب، يعني:{يا أيها الذين آمنوا} بالكتب المتقدمة أوفوا بالعهود، التي عهدتها عليكم في شأن محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وهو قوله:{وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١٨٧] .
وقال آخرون: هو عام.
وقال قتادة: أراد بها الحِلْفَ الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية.