ذلك، لو قلت: أنزل الغيث مجيباً لدعائهم، وتجعل مجيباً حال من الفاعل المنوب عنه؛ فإن التقدير: أنزل الله الغيث حال إجابته لدعائهم، لم يجز، فكذلك هذا، ولا سيما إذا قيل: بأن بنية الفعل المبني للمفعول بنية مستقلة غير محلولة من بنية مبنية للفاعل كما هو قول الكوفيين، وجماعة من البصريين.
الثاني: أنه يلزم منه [التقييد بهذه الحال إذا عُني بالأنعام الثمانية الأزواج، وتقييد إحلاله تعالى لهم هذه الثمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصيد وهم حرم والله تعالى قد أحل لهم هذه مطلقاً] .
الثالث: أنه كتب «مُحلّي بصيغة الجمع، فكيف يكون حالاً من الله تعالى، وكأن هذا القائل زعم أن اللفظ» محل «من غير ياء، وسيأتي ما يشبه هذا القول.
الوجه الخامس: أنه منصوب على الاستثناء المكرر، يعني أنه هو وقوله:» إِلَاّ مَا يتلى [عَلَيْكُمْ]«مستثنيان من شيء واحد، وهو بهيمة الأنعام.
نقل ذلك بعضهم عن البصريين، قال: والتقدير: إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد، وأنتم محرمون، بخلاف قوله تعالى:{إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ}[الذاريات: ٣٢] على ما سيأتي بيانه.
قال هذا القائل: ولو كان كذلك لوجب إباحة الصيد في الإحرام؛ لأنه مستثنى من الإباحة، وهذا وجه ساقط، فإذاً معناه: أحلت لكم بهيمة الأنعام غير محلِّي الصيد وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم سوى الصيد.
انتهى.
وقال أبو حيان: إنما عرض الإشكال من جعلهم غير محلّي الصيد حالاً من المأمورين بإيفاء العقود، أو من المحلّل وهو الله تعالى، أو من المتلو عليهم وغرَّهم في ذلك كونه كتب «مُحِلِّي» بالياء، وقدروه هم أنه اسم [فاعل] من «أحَلَّ» وأنه مضاف إلى «الصيد» إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة، وأصله غير محلِّين الصيد، إلا في قول من جعله [حالاً] من الفعل المحذوف، فإنه لا يقدر حذف نون، بل حذف تنوين، وإنما يزول الإشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله:«مُحِلِّي الصيد» من باب قولهم: حِسَان النِّسَاء، والمعنى: النساء الحسان، فكذلك [هذا] أصله غير الصيد المُحلّ، [والمحل] صفة للصيد لا للناس، ولا للفاعل المحذوف.