للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قولُه سبحانَهُ: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام} «أنْ» وما في حَيِّزهَا في مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفاً على «الميْتَةِ» .

والأزْلامُ: القِدَاحُ، واحدُها: زَلْم، وزُلْم بِفَتْح الزَّاي وضَمِّها ذكره الأخْفَشُ.

وإنَّما سُمِّيتِ القِدَاحُ بالأزلامِ؛ لأنَّها زُلِمَتْ أي: سُوِّيَتْ، ويقال: رجلٌ مُزْلِمٌ، وأمرأةٌ مُزْلِمَةٌ إذَا كان خَفِيفاً قَلِيلَ العلائِقِ، ويقال: قَدَحٌ مُزْلَمٌ وزَلْم إذا حُرِّرَ وأُجِيدَ قَدُّهُ وَصِفَتُهُ، ومَا أحْسَنَ ما زلم سهمه، أيْ: سَوَّاهُ، ويقالُ لِقَوائمِ البَقَرِ: أزْلَامٌ شُبِّهَتْ بالقِدَاحِ لِلَطَافَتِهَا.

وَفِي الاسْتِقْسامِ بالأزلامِ قولانِ:

الأوَّلُ: كان أحدُهُم إذا أراد سَفَراً أو غَزْواً أو تِجَارَةً [أو نِكَاحاً] أو أمْراً آخَرَ ضرب بالقِدَاحِ، وكانوا قد كتبوا على بعضها أمَرَنِي رَبِّي، وعلى بعضها نَهَانِي رَبِّي، وتركوا بَعْضَهَا خَالِياً عن الكِتَابَةِ، فإنْ خرجَ الأمرُ أقدْمَ على العملِ، وإنْ خرجَ النَّهْيُ أمْسَكَ وأعادَ، وإنْ خرج الغَفْل أعاد العملَ مَرَّةً أخْرَى.

وذكر البَغَوِيُّ أنَّ أزلامَهم كانت سبعةَ أقْدَاحٍ مُسْتَوِيةً مِنْ شوحط يكونُ عند [سادن] الكعبة، مكتوب على واحدٍ منها: نَعمْ، وعلى واحد: لَا، وعلى واحدٍ منها: مِنْكم، وعلى واحدٍ مِنْ غَيْرِكم، وعلى واحد: مُلْصَق، وعلى واحد: العَقْل، وواحد غفل ليس عليه شيءٌ، وكانوا إذا أرادُوا أمْراً أو تداوَرُوا في نَسَبٍ أو اختلفوا في تَحَمُّلِ عَقْلٍ جاءوا إلى هُبَل، وهو أعظمُ أصْنامِ قُرَيشٍ، وجاءوا بِمائَةِ دِرْهَمٍ وجَزُورٍ فأعطَوْها صاحبَ القِداح حتى يُجيلَ القومُ ويقولُون: يا إلَهنَا إنَّا أرَدْنَا كذا وكذا، فإنْ خرج نَعَمْ فعلُوا، وإنْ خرج: لا، لمْ يَفْعَلُوا ذلك، ثُم عادُوا إلى القِدَاح ثانيةً، وإذا أجالُوا على نسبٍ، فإنْ خرج منكُم [كان وسيطاً منهم، وإن خرج من غيركم كان حليفاً، وإن خرج مُلْصقٌ كان على منزلته لا] نسب له ولا حِلْفَ، وإذا اختلفُوا في عَقْلٍ فمن خرج عليه قَدَحُ العَقْلِ حَمَلَهُ، وإنْ خَرَجَ الغَفْل أجَالُوا ثانياً حتى يخرج المكتوبُ فنهى اللهُ تعالى عن ذلك وحرَّمهُ.

قال القُرطبيُّ: وإنّما قِيل لهذا الفعلِ اسْتِقْسام؛ لأنَّهُمْ كانوا يَسْتَقْسِمُون به [الرِّزْقَ] فِيما يُريدون، كما يُقال: الاستقسامُ في الاستدعاءِ للسقي، ونظيرُ هذا الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>