وقال ابن عباس: لا يجوز، وقرأ:{قَاتِلُواْ الذين لَا يُؤْمِنُونَ بالله}[التوبة: ٢٩] إلى قوله: {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] فمن أعطى الجزية حَلّ لنا نساؤهم، ومن لم يعط لم يحلّ لنا نساؤه.
وذهب قومٌ إلى أنّ المراد من «المُحْصَنَات» في الآية العفائفُ من الفريقين حرائر كُنّ، أو إماءً.
وأجازُوا نكاح الأمة الكتابيّة وحرّموا البَغَايا من المُؤمِنَاتِ والكتابيّات وهو قول الحسن، وقال الشعبيُّ: إحصان الكتابية أنْ تستعفَّ عن الزّنا، وتغتسل من الجنابة.
وذهب ابْنُ عُمَرَ إلى أنَّهُ لا يجوز نكاح الذميّة لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١] ويقول: لا أعلم شِرْكاً أعظم من قولها: إنَّ [ربَّها] عيسى، وأجاب من قال بهذا القول عن التّمسك بقوله:{والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} بوجوه:
أحدُها: أنَّ المراد الذين آمنوا منهم، فإنَّهُ كان يحتمل أن يخطر ببال بعضهم أنَّ الكتابية إذا آمنت هل يجوزُ للمسلم التزويج بها أم لا؟ فبين اللَّهُ تعالى بهذه الآية جواز ذلك.
وثانيها: ما روي [عن عطاء] قال: «إنَّما رخّص اللَّهُ - تعالى - في التزويج بالكتابيَّةِ في ذلك الوقت؛ لأنَّه كان في المسلمات قلّة، والآن ففيهن كثرة عظيمةٌ فزالت الحاجة، فلا جَرَمَ زالت الرُّخصة» .
وثالثها: الآياتُ الدّالة على وُجوب مباينة الكفَّارِ، كقوله تعالى:{ياأيها الذين آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ}[الممتحنة: ١] وقوله {ياأيها الذين آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ}[آل عمران: ١١٨] ، ولأنَّ عند حصول الزَّوجيّة ربما قويت المحبَّة فيصير ذلك سبباً لميل الزوج إلى دينها.
قوله سبحانه:{إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ظرف العامل فيه أحد شيئين، إمَّا «أحَلَّ» وإما «حِلّ» المحذوف على حسب ما قُرِّر، والجملة بعده في محلّ خفض بإضافته إليها، وهي - هنا - لمجرَّد الظرفيَّة.