بالعدْل تأكِيداً، ثم ذكر عِلَّة الأمْر بالعَدْل وهو قوله:{هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ، والمَعْنَى: أقْرَبُ إلى الاتِّقَاء من مَعَاصِي اللَّه، وقيل: أقْرَبُ إلى الاتِّقَاء من عَذَابِ اللَّه.
و «هُوَ» ضمير المَصْدرِ المَفْهُوم من الفِعْلِ أي: العدل، وفيه تَنْبِيهٌ على أنَّ وجوب العَدْلِ إذا كان مع الكُفَّار الذين هُمْ أعداءُ اللَّه بهَذِه الصِّفَة من القُوَّة، فَكَيْفَ بوجُوبِهِ مع المُؤمنين الذين هم أوْلِيَاؤُه وأحِبَّاؤُه، ثم ذكر كلاماً كالوعد للمُطِعين والوعيد للمُذْنِبِين، وهو قوله:{اواتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ، يعني:[أنَّه] عالم بجميع المَعْلُومَات، لا يَخْفَى عليه شَيْءٌ من أحْوَالِكُمْ.
ثم ذَكَرَ وعْدَ المُؤمنين فقال:«وَعْدَ اللَّه. .» الآية.
واعلم أن «وَعْد» يتعدَّى لاثْنَيْن:
أوَّلهما: الموْصُولُ.
والثاني:[مَحْذُوف] أي الجنَّة.
وقد صرَّح بهذا المَفْعُول في غير هذا المَوْضِع، وعلى هذا فالجُمْلَةُ من قوله:«لَهُم مَغْفِرَةٌ» لا مَحَلَّ لها؛ لأنَّها مُفَسِّرة لذلك المَحْذُوف تَفْسِير السَّبَب للمُسَبّبِ، فإن الجَنَّة مسببة عن المَغْفِرَة، وحُصُول الأجْرِ العَظِيم، والكلام قبلها تَامٌّ بِنَفْسه.
وذكرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الآيَة احْتِمالاتٌ [أخَر] .
أحدها: أنَّ الجملة من قوله «لَهُم مَّغْفِرَةٌ»[بيان للوعد] ، كأنَّه قال: قدم لهم وَعْداً، فَقِيلَ: أيُّ شيء وَعَدَهُ؟ فقال:{لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} ، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لها أيضاً، وهذا أوْلَى من الأوَّل؛ لأنَّ تفسير المَلْفُوظِ به أوْلَى من ادِّعاء تَفْسِير شَيْءٍ مَحْذُوف.
الثالث: إجراء الوَعْدِ مجرى القَوْل؛ لأنَّه ضَرْبٌ منه، ويَجْعَل «وَعَدَ» واقعاً على الجُمْلَةِ الَّتِي هي قوله: «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» ، كما وقع «تَرَكْنَا» على قوله تعالى: {سَلَامٌ على نُوحٍ}[الصافات: ٧٩] كأنه قيل: وعدهَمُ هذا القَوْل، وإذا وَعَدَهُمْ من لا يَخْلِفُ المِيعاد فَقَدْ وعدهم مَضْمُونَهُ من المَغْفِرَة والأجْرِ العَظِيم، أي: وعدهُم بهذَا المَجْمُوع، وإجراء الوَعْدِ مَجْرى القَوْل مذهب كُوفِيٌّ.
ثم ذكر وَعِيدَ الكُفَّار فقال:{والذين كَفَرُواْ} الآية.