قال الأصْمَعِيُّ:[تقربوا]«قِرْفَ القَمع» فيعدَّى بالباء حتى يكون بمعنى: قَرَّبَ، أي: فيكون قوله: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً} يَطْلُبُ مُطَاوِعاً له، والتَّقْدِير إذْ قَرَّبَاهُ، فتقرَّبا بِهِ وفيه بُعْدٌ.
قال أبُو حَيَّان:«وليس تقرَّب بصدقة مطاوع» قَرَّب صدقة «لاتحاد فاعل الفعلين، والمُطاوَعَةُ يَخْتَلِفُ فيها الفاعل يكونُ من أحدهما فعل، ومن الآخَرِ انفعال، نحو: كَسَرْتُه فانكسر، وفَلَقْتُه فانْفَلَق، فليس قَرَّبَ صَدَقَةً، وتقرَّبَ بها، من هذا البَابِ، فهو غلط فَاحِشٌ» .
قال شهاب الدِّين: وفيما قاله الشَّيْخ نظر؛ لأنَّا نُسَلِّم هذه القاعدة.
والاحتمال الثاني: أن يكون في الأصْل مَصْدراً، ثم أطلق على الشيء المُتقرّب به، كقولهم «نَسْج اليَمَن» ، و «ضَرْب الأمير» .
ويُؤيِّد ذلك أنه لم يُثَنِّ، والموضعُ موضعُ تَثْنِية؛ لأنَّ كلاً من قَابيل وهَابيل له قُرْبان يَخُصُّه، فالأصل: إذ قَرَّبا قُرْبَانين ولأنه لم يُثَنِّ [لأنه مصدر في الأصل، وللقائل بأنه اسم ما يتقرّب به لا مصدر أن يقول: إنما لم يُثَنِّ] ؛ لأن المعنى - كما قاله أبو عَلِيّ الفَارسيّ -: إذ قَرَّبَ كلُّ واحدٍ منهما قُرْبَاناً، كقوله تعالى:{فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور: ٤] أي: كل واحد منهم.
قال ابن الخطيب: جَمَعَها في الفِعْل، وأفرد الاسْم ليستدل بِفِعْلهما على أنَّ لكلِّ واحدٍ منهما قُرْباناً.
وقيل: إنَّ القُرْبَان اسم جنس فهو يَصْلُح للوَاحِد والعَدَد.