للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: لم يكن في ذلك الوَقْتِ فقير يُدفَع إليه ما يتقرَّب به إلى الله - تعالى -، فكانت تَنْزِلُ من السَّمَاء نار تأكلُهُ.

وإنما صار أحد القُرْبَانَيْن مقبولاً والآخر مردوداً؛ لأنَّ [حصول] التَّقوى شرط في قُبُول الأعْمَال لقوله تعالى هاهنا حِكَاية عن المُحِقِّ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} ، وقوله تعالى فيما أمَرنا به من القُرْبان بالبدن: {لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} [الحج: ٣٧] فأخبر أنَّ الذي يصل إليه لَيْس إلَاّ التَّقوى، والتَّقْوى من صفات القُلُوبِ؛ لقوله - عليه السلام -: «التَّقْوى هَاهُنَا» وأشار إلى القَلْب.

وحقيقة التَّقْوى: أن يكون على خَوْف ووَجَل من تقصير نَفْسه في تلك الطَّاعَة.

وأن يكون في غَايَةِ الاحْتِرَاز من أن يَأتِي بتلك الطَّاعَة لغرض سوى مَرْضَاة الله تعالى.

وألَاّ يكون فيه شركة لِغَيْر الله تعالى.

قيل: إن قابيل جعل قُرْبَانه أرْدَأ ما كان عِنْده، وأضْمَر في نفسه ألَاّ يُبَالي قُبِلَ أو لم يُقْبَلْ، وأنه لا يزوِّج أخْتَه من أخِيه أبَداً.

وقيل: كان قابيل لَيْس من أهل التَّقْوى والطَّاعة فلذلك لم يَقْبَل اللَّهُ قُرْبانه.

قوله تعالى: «قال لأقْتُلَنَّك» ، أي: قال الذي لم يتقبل منه للمَقْبُول منه.

وقرأ الجمهور «لأقْتُلَنَّك» ، أي: قال الذي لم يتقبل منه للمَقْبُول منه.

وقرأ الجمهور «لأقتلنَّك» بالنون الشديدة، وهذا جوابُ قسم مَحْذُوف وقرأه زيدٌ بالخفيفة.

قال أبُو حَيَّان: [إنما يتقبل الله مَفْعُوله مَحْذُوف] ، لدلالة المعنى عليه، أي: قرابينهم وأعمالهم ويجُوزُ ألَاّ يراد له مَفْعُول، كقوله تعالى {فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى} [الليل: ٥] ، هذه الجُمْلَة قال ابن عطيَّة: «قبلها كلام محذوف، تقديرُه: لِمَ تَقْتُلني وأنا لم أجْنِ شيئاً، ولا ذَنْبَ لي في تَقَبُّلِ الله قرباني بدون قربانك» ؛ وذكر كلاماً كثيراً.

وقال غيرُه: «فيه حذفٌ يَطُول» وذكر نحوه: ولا حَاجَة إلى تقدير ذلك كلّه؛ إذ المعاني مفهومَةٌ من فَحْوَى الكلام إذا قُدِّرَتْ قَصِيرةً كان أحْسَن، والمعنى هنا: لأقْتُلَنَّك حَسَداً على تَقَبُّل قُرْبَانك، فَعَرَّضَ له بأن سَبَبَ التَّقَبُّل التَّقْوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>