الثالث: أن الإرادة على حَالها، وهي: إمَّا إرادة مَجَازية، أو حقيقيَّة على حَسَبِ اختلاف المُفسِّرين في ذلك، وجَاءَت إرادة ذلك به لمعانٍ ذكرُها، من جملتها:
أنَّه ظهرت له قَرائِن تدلُّ على قرب أجلهِ، وأنَّ أخاه كافر، وإرادة العُقُوبَة بالكافر حَسَنة.
وقوله:» بِإثْمِي «في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من فاعل» تبُوء «أي: ترجعُ حاملاً له ومُلْتبساً به، وقد تقدم نَظِيرُه في قوله {فَبَآءُو بِغَضَبٍ}[البقرة: ٩٠] وقالوا: لا بُدَّ من مُضافٍ، فقدَّره الزَّمَخْشَرِيُّ» بمثلَ إثمي «قال:» على الاتِّسَاع في الكلام، كما تقول: قرأت قراءة فلان، وكتبت كِتَابَته «.
وقدَّره بعضهم «بإثْمِ قَتْلِي، وإثم معصِيَتك التي لم يُقبل لأجلها قُرْبَانك، وإثْم حسدك» .
وقيل: معناه إنِّي أريد أن تَبُوءَ بعقاب قَتْلي فتكون إرادة صَحِيحَة؛ لأنَّها موافقة لِحُكم الله - عزَّ وجلَّ -، ولا يكون هذا إرادة للقَتْل، بل لموجِبِ القتل من الإثْم والعِقَاب رُوِي أن الظَّالم إذا لم يَجِد يوم القِيَامة ما يرضي خَصْمَه، أُخِذَ من سيِّئَات المَظْلُوم وحمل على الظَّالم، فعلى هذا يَجُوز أن يُقَال: إنِّي أُريد أن تَبُوء بإثْمي في قَتْلِك، وهذا يَصْلُح جواباً.
قوله «فَطَوَّعَتْ» الجمهورُ على «طَوَّعَتْ» بتشديد الواو من غير ألف بمعنى «سَهلت وبعثت» أي: جَعَلْته سهلاً، تقديره: بعثت له نفسه أنَّ قتل أخيه طَوْعاً سهل عليه.
قال الزَّمَخْشَرِي:«وسَّعَتْه ويسَّرَتْه من طاعَ له المرْتَعُ إذ اتَّسع» انتهى.
وقال مجاهد: شجّعْتُه.
وقال قتادة: زيَّنْتُ له نفسه، والتَّضْعيف فيه للتَّعْدِية؛ لأنَّ الأصل: طَاعَ له قَتْلُ أخيه، أي: انْقَادَ من الطَّواعِية، فعُدّي بالتَّضعيف، فصار الفاعلُ مَفْعُولاً كحاله مع الهَمْزَة.