وقرأ الحسن، وزَيْد بن علي وجماعة كثيرة «فَطَاوعتْ» ، وأبدى الزَّمَخْشَرِيُّ فيها احتِمَالَيْن:
أحدهما: أن يكُون ممَّا جاء فيه «فَاعَلَ» لغير مُشاركة بين شَيْئيْن، بل بمعنى «فَعَّل» نحو: ضَاعَفْتُه وضَعَّفْته، وناعَمْتُهُ ونَعَّمْتُه، وهذان المثالان من أمثلة سِيبويه.
قال: «فجاءوا به على مثال عاقَبْتُه» .
قال: وقد تجيء: «فاعَلْتُ» لا تريدُ بها عمل اثْنَيْن، ولكنَّهم بَنَوْا عليه الفِعْل كما بَنَوْه على «أفْعَلْتُ» ، وذكر أمْثِلَة منها: «عَافَاهُ اللَّه» ، وقَلَّ مَنْ ذكر أن «فَاعَل» يجيءُ بمعنى «فعّلْتُ» .
والاحتمال الثاني: أن تكون على بَابِهَا من المُشَاركة، وهو أنَّ قَتْل أخيه كأنه دَعَا نَفْسَه إلى الإقْدَام عليه فَطَاوعته انتهى.
وإيضاحُ العبارة في ذلك أنْ يُقَال: جعَل القَتْل يدعو إلى نفسه لأجل الحسد الذي لَحِقَ قَابِيل، وجعلت النَّفسُ تَأبى ذلك وتَشْمَئِزُّ منه، فكُلٌّ منهما - أعني القَتْلَ والنَّفْسَ - كأنه يريد من صاحِبِه أن يُطِيعَه إلى أن غَلَبَ القَتْلُ النَّفسَ فطاوعته، و «له» مُتعلِّق ب «طوَّعت» على القِرَاءتَيْن.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: و «له» لزيادة الرَّبْط، كقولك: حَفِظْتُ لزيْد ماله. يعني أنَّ الكلام تامٌّ بِنَفْسه.
ولو قيل: فَطَوَّعَتْ نفسُه قَتْل أخيه، كما كان كَذَلك في قولك «حَفِظْتُ مالَ زَيْد» فأتى بهذه «اللَاّم» لقوة رَبْط الكلام.
قال أبو البقاء: وقال قوم: طاوَعَتْ تتعدَّى بغير «لَام» ، وهذا خَطَأٌ؛ لأنَّ التي تتعدى بغير اللَاّم تتعدى لِمَفْعُول واحد، وقد عَدَّاهُ إلى قَتْلِ أخِيه.
وقيل: التَّقْدِير: طاوَعَتْه نفسه قَتْل أخيه، فزاد «اللَاّم» وحذف «عَلَى» ، أي: زاد اللَاّم في المفعول به وهو «الهَاء» ، وحذف [ «على» الجارَّة ل «قَتْل أخِيه» ] .
قالت المُعْتَزِلَةُ: لو كان خالق الكلِّ هو الله لكان ذلك التَّزيين والتَّطْويع مُضافاً إلى الله - تعالى - لا إلى النَّفْس.
والجواب: أنَّ الأفعال لما استَنَدَت إلى الدَّوَاعي، وكان فاعل تِلْك الدواعي هو الله