أحدها: أنه لما تعلَّم الدَّفن من الغُرَاب صار من [النَّادِمين على كونه حَمَلَهُ على ظهره سنة.
وثانيها: أنه صار من النَّادمين] ؛ لأنَّه لم ينتفع بقتله، وسخطَ عليه بسببه أبواه وإخوته، وكان نَدمُه لهذه الأسْباب لا لِكَونِهِ مَعْصِية.
وثالثها: أنَّ ندمه كان لأجْل تركه بالعَرَاء استِخْفافاً به بعد قَتْله، لأنَّ الغُرَاب لما قتل الغُرَاب ودفنه، نَدِم على قساوة قَلْبه، وقال: هذا أخِي وشقيقي ومَنْ لحمه مختلط بِدَمي، فإذا ظهرت الشَّفَقَة من الغُرَاب ولم تظهر منِّي على أخِي، كنت دون الغراب في الرَّحْمَة والشَّفَقة والأخْلاق الحميدة، فكان نَدَمُه لهذه الأسْبَاب، لا للخوف من الله - تعالى -، فلذلك لَمْ يَنْفَعه النَّدم.
قال المُطَّلِب بن عَبْد اللَّه بن حِنْطَب: لمَّا قتل ابن آدَم أخَاهُ، وجفَّت الأرض سَبْعَة أيَّام بما عليها، ثمَّ شَرِبت الأرْضُ دَمَهُ كما تشرب الماء، فنادَاه [آدم] : أين أخُوكَ هَابِيلُ؟ قال: ما أدري ما كنت عليه رَقِيباً.
فقال آدم: إن دم أخيك ليُنَادِيني من الأرْضِ. فلم قَتَلْتَ أخاكَ؟ قال: فأيْنَ دَمُه إن كنت قتلته؟ فحرّم اللَّه - عزَّ وجل - على الأرْض أن تَشْرَب بعده [دماً] أبداً، وقيل لقابيل: اذْهَب طَرِيداً شريداً فزعاً مَرْعُوباً لا تأمَن من تراه، فأخَذَ بيد أخته «إقْلِيما» وهَرَب بها إلى اليَمَن، فأتاه إبليس فقال له: إنَّما أكَلَت النَّار قربان أخيك هَابيل؛ لأنَّه كان يعبُد النَّار فانْصِبْ أنت أيضاً ناراً، وهو أوَّل من عَبَد النَّار قال مُجَاهد: فعلقت إحدى رِجْلَيْ قَابِيل إلى فخذهَا وسَاقِهَا، وعلقت من يَوْمئذٍ إلى يومِ القِيَامة، ووجهه إلى الشمس حيث ما دارت عليه، في الصَّيْف حَظِيرةٌ من نار، وفي الشِّتَاء حظيرةٌ من ثَلْج، واتَّخَذَ أولاد قَابِيل آلات اللَّهْو، وانهمكوا في اللَّهْو وشُرْبِ الخَمْر وعِبَادة النار والزِّنا والفَواحِش، حتَّى غرقهم اللَّه بالطُّوفان أيَّام نوح - عليه السلام - وبقي نَسْلُ شِيث.