وقول سعد بن أبي وقَّاص: ثم أصَبْحَت بنو [أسد تعزرني على] الإسلام إلى غير ذلك.
قال أبو حيَّان: وهذا التَّعْليل الذي ذكره؛ لكون «أصْبَح» عبارة عن جميع أوْقاته، وإنما خصَّ الصَّبَاح لكونه بَدْءُ النَّهَار ليس بِجَيّد؛ لأن العرب اسْتَعْمَلَت «أضْحَى» و «بَاتَ» و «أمْسَى» بمعنى «صَار» ، وليس شيء منها بَدْء النَّهَار.
قال شهاب الدين: وكيف يُحْسِن أن يردَّ على أبي محمد بِمِثْل هذا، وهُوَ لم يَقُل: إنها لمَّا أُقِيمَت مقام أوْقَاته للعلَّةِ الَّتي ذكرها تكونُ بمعنى «صَار» ، حتَّى يلزمَ بأخواتها نَاقِصة عليه، وسيأتي الكلام على ذلك في «الحُجُرَات» عند قوله تعالى
{فَتُصْبِحُواْ
على
مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الآية: ٦]- إن شاء الله تعالى -.
فصل
فإن قيل: فِعْل الغُرَابِ صار سنَّة في دفن الخَلْقِ فَرْضاً على جميع النَّاس على الكِفَاية.
فالجواب: قال بعض المُفَسِّرين: لمَّا قتله ولم يدر ما يَصْنَع به بَعَثَ اللَّه غرابين فاقْتَتَلا، فقتل أحدُهما الآخر فحفَر له بِمِنْقَاره ورجليه، ثمَّ ألقاه في الحُفْرَة فتعلَّم قابيل ذلك، وعَلِمَ أن الغُرَاب أكثر عِلْماً منه، وعلم أنَّه إنما أقدم على قَتْل أخيه [بسبب] جهله وقلَّة معرفته فَنَدِم وتلهف. وقال الأصمُّ: لما قتله وتركه فَبَعَث اللَّه غُرَاباً يحثو التَّراب على المقْتُول، فلما رأى القَاتِل أنَّ المقتول كيف يُكرمُهُ اللَّه بعد موته نَدِم وقال: يا وَيْلَتا، وقال أبو مُسْلم: عادة الغُرَاب دفن الأشْيَاء فجاء غرابٌ ودفن شيئاً؛ فتعلَّم ذلك منه.
وقيل: إنَّه كان عالماً بكيْفِيَّة الدَّفن، وأنه يبعد في الإنْسَان العَاقِل ألَاّ يُهْدَى إلى هذا القدر من العمل، إلَاّ أنه لما قَتَلَهُ تركه بالعَرَاء، فلما رَأى الغُرابَ يدفن الغُرابَ رقَّ قلبه، وقال: إن هذا الغُراب لما قتل ذلك الآخر فبعد أن قَتَلَهُ أخْفَاه تحت الأرْض، أفأكون أقلَّ شَفَقَة من هذا الغُراب؟! فجاء وحَثَى التُّراب على المَقْتُول، فلما رأى أنَّ الله تعالى أكرمه حال حياته بقبول قُرْبَانه، وأكرمه بعد مماته بأن بعث الغُراب ليدفنه تَحْتَ الأرْض، علم أنَّه عظيم الدَّرجة عند الله تعالى؛ فتلهَّف على فِعْله، وعَلِمَ أن لا قدرة له على التَّقَرُّب إلى أخيه إلَاّ بأن يَدْفِنَه في الأرض فلا جرم قال: {يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا