الثاني: أنَّهُ لما ذكر تَعْظِيم أمْر القَتْلِ حيث قال: {قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ [أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض] فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}[المائدة: ٣٢] ذكره بعد الجنايات التي تُبيحُ القَتْلَ والإيلام فذكر:
أولاً: قطع الطريق.
وثانياً: من السَّرقة.
قوله تعالى:«والسَّارقُ والسَّارقَةُ» قرأ الجمهور بالرفع.
وعيسى بن عُمَر وابن أبي عبلة بالنَّصْبِ.
ونقل عن أبيّ:«والسُّرَّق والسُّرَّقة» بضم السِّين وفتح الرَّاء مُشَدَّدَتَيْن؛ قال الخَفَّاف:«وجدته في مُصْحَفِ أبَيّ كذلك» .
وممن ضبطهما بما ذكرت أبو عمرو، إلَاّ أن ابن عطيَّة جعل هذه القِراءة تَصْحيفاً [فإنَّه قال:«ويُشبهُ أنْ يكُون هذا تَصْحِيفاً] من الضابط» . لأن قراءة الجماعة إذا كتبت:«والسّرق» : بغير ألف وافقت في الخط هذه، قلت: ويمكن توجيه هذا القِرَاءة بأنَّ «السرق» جمع «سَارِق» ، فإنَّ فُعَّلا يَطّرد جَمْعاً لفاعِل صِفَةً، نحو ضارِب وضُرَّب.
والدَّليل على أنَّ المراد الجمع قراءة عبد الله «والسَّارقون والسَّارقَات» بصيغتي جمع السلامة، فدلَّ على أنَّ المُرَاد الجَمْع، إلا أنه يَشْكُل في أنّ «فُعَّلا» يكُون من جمع: فاعِل وفاعلة تقول: نِسَاءٌ ضُرَّب، كما تقول: رِجَالٌ ضُرَّب، ولا يُدْخِلُون عليه تاء التَّأنِيث حيث يُرادُ به الإنَاثُ، والسُّرَّقة هنا - كما رأيت - في هذه القراءة بِتَاءِ التَّأنيث، حيث أُرِيد ب «فُعَّل» جمع فاعلة، فهو مُشْكِلٌ من هذه الجِهَة لا يقال: إن هذه التَّاء يجوز أن تكُون لِتَأكِيد الجمع؛ لأنَّ ذلك محفُوظٌ لا يُقَاس عليه نحو:«حِجَارة» وأمَّا قِرَاءَةُ الجُمْهُور فَفِيهَا وجهان:
أحدهما: هو مذهَبُ سيَبوَيْه، والمشهُور من أقوال البَصريِّين أن «السَّارِق» مبتدأ مَحْذُوف الخَبَر تقديرُهُ: «فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم» أو فيما فَرَضَ - «السَّارِق» و «السَّارِقَة» أي: حُكم السَّارِق، وكذا قوله:{الزانية والزاني فاجلدوا}[النور: ٢] .