للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويكون قوله: «فَاقْطَعُوا» بياناً لذلك الحُكم المقدَّر، فما بعد الفاء مُرْتَبِطٌ بما قَبْلَها، ولذلك أتى بها فيه؛ لأنَّهُ هُوَ المَقْصُود.

ولو لم يَأتِ بالفَاءِ لَتوهّم أنه أجْنَبِيّ والكلامُ على هذا جُملتان: الأولى: خَبَريَّة، والثَّانية: أمْرِيَّة.

والثاني: وهو مذهب الأخْفَش، ونُقِلَ عن المُبَرِّد وجماعة كثيرة أنَّهُ مُبْتَدأ أيضاً، والخبر الجُمْلَةُ الأمْرِية من قوله: «فاقْطَعُوا» ، وإنَّما دخلت الفاء في الخَبَر؛ لأنه يُشْبِهُ الشَّرْط؛ إذ الألِفُ واللَاّم فيه موصُولة، بمعنى «الَّذِي» و «الَّتِي» والصفَةُ صلتُهَا، فهي في قُوَّةِ قولك: «والذي سرق والتي سَرَقَت فاقْطَعُوا» ، وهو اختيار الزَّجَّاج.

وما يدلُّ على أنَّ المراد من الآيَة الشَّرْط والجزاء وُجُوه:

الأوَّل: أنه تعالى صَرَّح بذلك في قوله تعالى {جَزَآءً بِمَا كَسَبَا} . وهذا يدلُّ على أنَّ القَطْع جزاءٌ على فِعْل السَّرِقة، فوجَبَ أن يَعُمَّ الجَزَاء لعُموم الشَّرط.

والثاني: أن السَّرِقة جناية، والقطع عُقُوبة، فربط العُقُوبة بالجناية مناسب، وذكر الحُكم عَقِيب الوَصْف المُنَاسب يدلُّ على أنَّ الوصْفَ عِلَّة لذلك الحُكم.

الثالث: أنّا إذا حملنا الآيَة على هذا الوجه كانت [الآية] مُفِيدة، ولوْ حملْنَاها على سَارِقٍ مُعَيَّن صَارَت مُجْمَلة غير مفيدة، فالأوَّل أوْلى.

وأجاز الزمَخْشَري الوجهَيْن، ونسب الأوَّل لسيبَويه، ولم يَنْسِبِ الثَّانِي، بل قال: وَوَجْهٌ آخر، وهو أن يَرْتفعَا بالابْتداء، والخبر: «فَاقْطَعُوا» .

وإنما اخْتَارَ سيبوَيْه أنَّ خبره مَحْذوف كما تقدَّم تقديرُه دون الجُمْلَة الطَّلَبِيَّة بعده لوجْهَيْن:

أحدهما: النَّصْب في مثله هو الوجه في كلام العرب، نحو: «زَيْداً فاضْرِبْهُ» لأجل الأمْرِ بعده.

قال سيبويه في هذه الآية: الوجْهُ في كلام العرب النَّصب، كما تقول «زَيْداً فاضْرِبْه» ، ولكن أبتِ العَامَّةُ إلَاّ الرَّفع.

والثاني: دخول الفَاءِ في خَبَره، وعنده أنَّ «الفَاء» لا تدخل إلا في خبر الموصُول الصَّرِيح ك «الذي» ، و «من» ، بشُرُوط أخر مذكورة في كُتُبِ النَّحْو، وذلك لأنَّ الفَاء إنَّما دَخَلَتْ لِشَبَهِ المُبْتَدأ بالشَّرْط، واشْتَرَطُوا أن تَصْلُح لأداة الشَّرْط من كَوْنِهَا جُمْلَة فعلية مستقبلة المَعْنَى، أو ما يقوم مقامَها من ظَرْفٍ وشِبْهِهِ، ولذلك إذا لم تَصْلُح لأداة الشَّرْط،

<<  <  ج: ص:  >  >>