لم يَجُزْ دخول الفَاء في [الخبر، وصِلَةُ «أل» لا تَصْلُح لِمُبَاشرة أدَاةِ الشَّرْط فلذلك لا تدخل الفاء في] خبرها، وأيضاً ف «ألْ» وصلَتُها في حكم اسْمٍ واحدٍ، ولذلك تَخَطَّاهَا الإعْرَاب.
وأما قِرَاءة عِيسى بن عمر، وإبراهيم: فالنَّصْب بفعل مُضْمَرٍ يُفَسِّره العَامِل في سببيهما نحو: «زَيْداً فأكْرِمْ أخاهُ» ، والتقدير:«فعاقِبُوا السَّارِق والسَّارِقَة» تقدِّره فِعْلاً من معناه، نحو «زَيْداً ضَرْبتُ غُلامه» ، أي:«أهَنْتُ زَيْداً» .
ويجُوز أن يقدَّر العامِل موافقاً لَفْظاً؛ لأنَّه يُسَاغ أن يُقَال: قطعت السَّارِق وهذه قراءة واضِحَة لمكان الأمر بعد الاسم المُشْتَغِل عَنْهُ.
قال الزَّمَخْشَرّيُّ: وفَضَّلها سيبوَيْه على قِرَاءَة العامَّة؛ لأجل الأمْر؛ لأن «زَيْداً فاضْرِبْه» أحْسَن من «زيدٌ فاضْرِبه» .
وفي نقله تَفْضيل النَّصْب على قراءة العامَّة نظر، ويظهر ذلك بنصِّ سيبويه.
قال سيبويه: الوجْهُ في كلام العرب النَّصْب، [كما تقُول:«زيداً اضْرِبْه» ؛ ولكن أبت العامَّة إلا الرَّفع، وليس في هذا ما يَقْتَضِي تَفْضِيل النَّصْب بل مَعْنى] كلامه أن هذه الآية لَيْسَتْ من الاشتِغَال في شَيْء؛ إذ لو كان من باب الاشْتِغَال لكانَ الوَجْهُ النَّصب، ولكن لم يقْرَأها الجُمْهُور إلا بالرَّفْع، فَدَلَّ على أنَّ الآيَة محمولة على كلامين كما تقدَّم، لا على كلامٍ واحد، وهذا ظَاهِرٌ.
وقد رد ابن الخَطِيب على سيبويه بِخَمْسَةِ أوْجُه، وذلك أنه فهم كما فهم الزَّمَخْشَرِيُّ من تفضيل النًّصْب، فقال: الذي ذهب إليه سيبويه ليس بِشَيْء، ويدل على فَسَادِه وُجُوه:
الأول: أنه طعنٌ في القِرَاءة المُتَوَاتِرَة المَنْقُولة عن الرَّسُول وعن أعْلام الأمَّة، وذلك بَاطِلٌ قَطْعاً، فإن قال سيبويه: لا أقُول: إنَّ القراءة بالرَّفْع غير جَائِزة، ولكنِّي أقُول: قِرَاءة النَّصْب أوْلَى، فنقول: رَدِيءٌ أيْضاً؛ لأن تَرْجِيح قِرَاءة لم يَقْرَأ بِها إلَاّ عيسَى بن عمر على قِرَاءَة الرَّسُول وجميع الأمَّة في عَهْد الصَّحابة والتَّابعين أمر مُنْكَر، وكلام مَرْدُودٌ.
الثاني: لو كانت القراءة بالنَّصْب أوْلَى، لَوَجَبَ أنْ يكون في القُرَّاء من يَقْرأ:{واللّذين يَأتيَانها مِنكُمْ فآذُوهُمَا}[النساء: ١٦] ، بالنَّصْب، ولمَّا لم يوجد في القُرَّاء من يقرأ كذلك، عَلِمْنا سقوط هذا القَوْل.