الثالث: أنَّا إذا جَعَلْنَا «السَّارِق والسَّارِقة» مُبْتَدأ، وخبره مُضمَر وهو الذي يقدِّره «فيما يُتلَى عليْكُم» بقي شيءٌ آخر يتعلَّق به الفاء في قوله: «فَاقْطَعُوا» .
فإن قال: الفاء تتعلَّق بالفعل الذي دلَّ عليه قوله: «والسَّارِق والسَّارِقَةُ» ، يعني: أنَّه إذا أتى بالسَّرِقة فاقْطَعُوا يَدَهُ.
فنقول: إذا احْتجت في آخِر الأمْر أنْ تَقُول: السَّارِق والسَّارِقة تقديره: «مَنْ سَرَقَ» ، فاذكر هذا أوَّلاً، حتى لا تَحْتَاج إلى الإضْمَار الذي ذكرته.
الرابع: أنا إذا اخْتَرْنَا القراءة [بالنصب لم يَدُلَّ ذلك على أنَّ السَّرِقة علةٌ لوجُوب القَطْع، وإذا اخْتَرْنَا القِرَاءة بالرَّفْع] أفادتِ الآيةُ هذا المَعْنَى ثم إنَّ هذا المعنى مُتأكد بقوله تعالى: {جَزَآءً بِمَا كَسَبَا} ، فثَبَت أنَّ القراءة بالرَّفْعِ أوْلَى.
الخامس: أنَّ سيبويه قال: «وَهُم يُقَدِّمُون الأهَمَّ، والذي هم بِبَيَانه أعْنَى» فالقِرَاءة بالرَّفْع تَقْتَضِي تقْديم ذكر كَوْنه سَارِقاً على ذِكْرِ وُجُوبِ القَطْع، وهذا يَقْتَضِي أن يكُون أكبر العِنَايَةِ مَصْرُوفاً إلى شَرْح ما يتعلَّق بِحَال السَّارِق مِنْ حَيْثُ إنَّه سَارِقُ.
وأمَّا قراءة النَّصْبِ، فإنها تَقْتَضِي أنْ تكُون العِنَايَةُ بِبَيانِ القَطْع أتم من العِنايَة بكونه سَارِقاً، ومَعْلُوم أنَّه لَيْسَ كذلك، فإنَّ المَقصُود في هذه الآية تَقْبِيحُ السَّرِقَة، والمُبَالَغة في الزَّجْر عنها، فثبت أنَّ القراءة بالرَّفْع هي المُتعينَة. انتهى ما زعَم أنه رَدّ على إمَام الصِّنَاعة، والجواب عن الوجْهِ الأوَّل ما تقدَّم جواباً عمَّا قالهُ الزَّمَخْشَرِي [وقد تقدَّم] ، ويُؤيِّدُه نصُّ سيبويه، فإنَّه قال: وقد يَحْسُن ويستَقِيمُ: «عَبْدُ الله فاضْرِبْه» ، إذا كان مَبْنِيّاً على مُبْتدأ مُظْهر أو مُضْمَر.
فأمَّا في المُظْهَر، فقوله:«هَذَا زَيْدٌ فاضْرِبْه» وإن شِئْتَ لم تُظْهِر هذا، ويعمل كعملِهِ إذا كان مُظْهراً، [وذلك] قولُك: «الهِلال والله فانْظُرْ إليه» ، فَكَأنَّك قُلْت:«هذا الهِلالُ» ، ثُمَّ جِئْت بالأمْر.