للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

سَارِق يَمِينه، فهو من باب {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] ، ويدلُّ على ذلك قراءة عبد الله: «فاقْطَعُوا أيْمَانَهُمَا» واشْتَرَط النَّحْوِيُّون في وُقُوع الجَمْعِ موقع التَّثْنِية شُرُوطاً، من جملتها: أنْ يكون ذلك الجُزْء المُضَاف مُفْرَداً من صاحِبِه نحو: «قُلُوبكما» و «رُوس الكَبْشَيْنِ» لأمْنِ الإلْبَاس، بخلافِ العَيْنَيْنِ واليَدين والرِّجليْن، لو قلت: «فَقَأت أعينهما» ، وأنت تعني عينيهما، و «كتَّفْت أيديهمَا» ، وأنت تعني «يديهما» لم يَجْزْ للَّبْسِ، فلوْلَا أنَّ الدَّلِيل دَلَّ على أنّ المُرَاد اليَدَان اليُمْنَيَان لما ساغَ ذلك، وهذا مُسْتَفِيض في لِسانِهم - أعني وُقُوع الجَمْع مَوْقِع التَّثْنِيَة بِشُرُوطه - قال تعالى:

{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] ، ولنذكر المسْألة، فنقول: كُلُّ جزْأين أضيفا إلى كِليْهِما لفظاً أو تقديراً، وكانا مُفْرَدَيْن من صَاحبيْهِمَا جاز فيهما ثلاثة أوجُه:

الأحسن: الجمع، ويليه الإفْرَاد عند بَعْضِهم، ويليه التَّثْنِية، وقال بعضهم: الأحْسَنُ الجَمْع، ثم التَّثْنِية، ثم الإفْرَاد، نحو: «قَطَعْتُ رُءُوس الكَبْشَيْن، ورَأس الكَبْشَيْن ورَأسَي الكَبْشَين» .

وقال سامَحَهُ اللَّهُ وعَفَا عَنْهُ: [السريع أو الرجز]

١٩٦٤ - ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْن ... ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنْ

فقولنا: «جزآن» تَحَرُّز من الشَّيئين المُنْفَصِلَيْن، لو قلت: «قَبَضت دَرَاهِمكُمَا» تعني: دِرْهَمَيْكُما لم يَجُزْ لِلَّبْسِ، فلو أمِنَ جَازَ، كقوله: «اضْرِبَاه بِأسْيَافِكُمَا» «إلى مَضَاجِعِكُمَا» ، وقولنا: «أُضِيفَا» تحرُّز من تفرُّقِهِمَا، كقوله: {على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى} [المائدة: ٧٨] ، وقولنا: «لَفْظاً» ، تقدَّم مِثَاله، فإنَّ الإضافَة فيه لَفْظِيَّة.

وقولُنا: «أو تَقْدِيراً» نحو قوله: [الطويل]

١٩٦٥ - رَأيْتُ بَنِي البَكْرِيِّ فِي حَوْمَةِ الوَغَى ... كَفَاغِرَي الأفْوَاهِ عِنْدَ عَرينِ

فإن تقديره: كَفَاغِرين أفَواهَهُمَا.

وقولنا: «مُفَرَدَيْن» تحرُّز من العَيْنَين ونحوهما، وإنما اخْتِير الجَمْعُ على التَّثْنِية، وإن كان الأصْل لاسْتِثْقَال تَوَالي تَثْنِيَتَيْنِ، وكان الجَمْع أوْلَى من المُفْرَد لِمُشَارَكَة التَّثْنِية، وإن كان الأصْل لاسْتِثْقَال تَوَالي تَثْنِيَتَيْنِ، وكان الجَمْع أوْلَى من المُفْرَد لِمُشَارَكَة التَّثْنِيَةِ في الضَّمِّ، وبعده المُفْرد لعدم الثِّقَلِ، هذا عِنْد بَعْضِهِم قال: لأنَّ التَّثْنِيَة لم ترد إلا ضرورةً، كقوله - رحمةُ الله عليه -[الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>