وينبغي إذا جعلا مفعولاً من أجله أن يُقدَّر إسنادهما إلى الله - تعالى - لا إلى الإنجيل ليصح النصب، فإن شرطه اتحاد المفعول له مع عامله فاعلاً وزماناً، ولذلك لما اختلف الفاعل في قوله:{وليحكم أهل الإنجيل} عُدِّي إليه باللام، ولأنه خالفه أيضاً في الزمان، فإن زمن الحكم مستقبل وزمن الأنبياء ماضٍ، بخلاف الهداية والموعظة، فإنهما مقارنان في الزمان للإيتاء.
و «للمقيمين» يجوز أن يكون صفة ل «موعظة» ، ويجوز أن تكون «اللام» زائدة مقوية، و «المتقين» مفعول ب «موعظة» ، ولم تمنع تاءُ التأنيث من عمله؛ لأنه مبنيٌّ عليها؛ كقوله:[الطويل]
وقد تقدم الكلام على «الإنجيل» واشتقاقه وقراءةُ الحسن فيه بما أغنى عن إعادته.
وقرأ الضَّحَّاك بن مزاحم:«وهُدًى وموعِظَةٌ» بالرفع، ووَجْهُهَا أنها خبر ابتداء مضمر، أي: وهو هدى وموعظة.
فصل
قال ابن الخَطيبِ: هنا سؤالات:
الأول: أنه - تعالى - وَصَفَ عيسى ابن مريم بكونه مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وإنما يكون كذلك، إذا كان [عمله على شريعة التوراة، ومعلوم أنه لم يكن] كذلك فإن شريعة عيسى كانت مغايرة لشريعة موسى عليهما السلام، ولذلك قال تعالى في آخر هذه الآية:{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَآ أَنزَلَ الله فِيهِ}[المائدة: ٤٧] فكيف الجمع بينهما؟
والجواب: كون عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ مصدقاً للتوراة، أقر بأنه كتاب منزل من عند الله تعالى، وأنه كان حقًّا واجب العمل به قبل وُرُودِ النَّسْخِ.
الثاني: لم كرر كونه مصدقاً لما بين يديه؟
والجواب: ليس فيه تكْرَارٌ، إلا أنَّ في الأول أنَّ المسيح يصدق التوراة، وفي الثاني: الإنجيل يصدق التوراة.
الثالث: ما معنى وصفه الإنجيل بهذه الصفات الخمسة فقال « [فيه] هدى ونور، ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين» ؟