وقيل: إجْلاء بَنِي النَّضِير، «فَيُصْبِحُوا» أي: هؤلاء المُنَافِقِين {على مَآ أَسَرُّواْ في أَنْفُسِهِمْ} مِنْ مُوالاة اليَهُود ودسِّ الأخْبَار إليْهم «نَادِمِين» وذلك لأنهم كانوا يشكُّون في أمْرِ رسُول اللَّه - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -، ويقولون: الظَّاهِر أنَّهم لا يتمُّ لهم أمْر، وأن الدولة والغلبَة تصير لأعْدَائه.
قوله تعالى:«فَيُصْبِحُوا» فيه وجهان:
أظهرهما: أنَّه منصوب عَطْفاً على «يأتي» المَنْصُوب ب «أنْ» ، والذي يُسَوِّغُ ذلك وُجُود «الفَاء» السَّبَبِيَّة، ولولَاهَا لم يَجُزْ ذلك؛ لأن المعطُوف على الخبر خبر، و «أنْ يَأتِي» خبر «عَسَى» ، وفيه راجعٌ عائِدٌ على اسْمِهَا.
وقوله:«فَيُصْبِحُوا» ليس فيه ضَمِيرٌ يَعُود على اسْمِهَا، فكان من حَقِّ المسألة الامْتِنَاع، لكن «الفَاء» للسسببِيَّة، فجعلت الجُمْلَتَيْن كالجملة الواحِدة، وذلك جَارٍ في الصِّلة نحو:«الذي يطير فيَغْضَبُ زَيْدٌ الذُّبابُ» .
والصِّفة نحو:«مررت بِرَجُلٍ يَبْكِي فَيَضْحَكُ عَمْرو» ، والخبر نحو:«زيدٌ يبكي فيضحَكُ خالد» ، ولو كان العَاطِفُ غير «الفَاء» لم يجُزْ ذلك.
والثاني: أنه منْصُوب بإضْمَار «أنْ» بعد الفَاءِ في جواب التَّمَنِّي قالوا: «لأن» عَسَى «تَمَنٍّ وتَرَجٍّ في حَقّ البَشَر» .
{على مَآ أَسَرُّواْ} متعلِّق ب «نَادِمِين» ، و «نَادِمِين» خَبر «أصْبَح» .
قوله تعالى:«ويَقُولُ» : قرأ أبُو عمرو، والكُوفِيُّون بالواو قَبْلَ «يَقُول» والباقُون بإسْقَاطِها، إلا أنَّ أبا عمرو نَصَب الفِعْلَ بعد «الوَاوِ» ، وروى عنه عَلِيُّ بن نَصْر: الرَّفع كالكُوفِيِّين، فتحصَّلَ فيه ثلاث قراءات:«يَقُولُ» من غير واو [ «ويقول» بالواوِ والنَّصْب،] «ويقول] بالواو والرَّفع، فأمَّا قِرَاءة من قرأ» يَقُول «من غير واوٍ فهي جُمْلَة مُسْتأنَفَةٌ سِيقَتْ جواباً لِسُؤالٍ مُقَدَّر، كأنه لمَّا تقدَّم قوله تعالى:{فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح} إلى قوله» نَادِمِين «، سأل سَائِلٌ فقال: ماذا قال المُؤمِنُون حِينَئِذْ؟ فأجيب بِقَوْله تعالى:{وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ} إلى آخره، وهو واضح، و» الواو «سَاقِطَةٌ في مصاحِفِ» مَكَّةَ «و» المدينَةِ «و» الشَّام «، والقارئُ بذلك هو صاحِبُ هذه المصاحِف، فإن القَارِئين بذلك ابن كَثِير المَكِّي، وابنُ عَامِر الشَّاميُّ، ونافع المدنِي، فقراءتُهُمْ موافقة لَمصَاحِفِهم [وليس في هذا أنهم إنما قرأوا كذلك لأجل المصحف فقط، بل وافقت روايتهم مصاحفهم] على ما تَبيَّن غير مَرَّة، وأما قِرَاءة» الواو «والرَّفع فواضحةٌ أيْضاً؛ لأنَّها جملة ابْتُدِئَ