قال عطاء:{أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} كالولد لِوَالده والعَبْد لسَيِّدِه: أعزَّة على الكَافِرِين كالسَّبُع على فَرِيسَتِه.
قوله تعالى:«يُجَاهِدُون» يحتمل ثلاثة أوْجُه:
أحدها: أن يكُون صِفَةً أخرى ل «قوم» ، ولذلك جاء بِغَيْر واو، كما جاءت الصِّفَتان قَبْلَهُ بِغَيْرها.
الثاني: أنه في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ من الضَّمِير المُسْتَكِنِّ في «أعِزَّة» ، أي: يَعُزُّون مُجَاهِدِين.
قال أبُو البقاء: وعلى هذا فيجُوز أن تكون مِنَ الضَّمير في «أذلَّة» ، أي: يَتَواضَعُون للمُؤمنين حال كَوْنِهِم مُجاهدين، أي: لا يَمْنَعُهم الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّه من التَّواضُع للمُؤمِنِين، وحاليَّتُهَا من ضمير «أعِزَّة» أظْهَرُ من حاليَّتها ممَّا ذكرت، وذلك لَمْ يَسُغْ أن يَجْعَل المسْألة من التَّنازُع.
الثالث: أن يكون مُسْتَأنفاً، سِيقَ للإخْبار بأنّهم يُجَاهِدُون في نُصْرَةِ دينِ اللَّه تعالى.
قوله تعالى:«ولا يَخَافُون» فيه أوجه:
أحدها: أن يكُون مَعْطُوفاً على «يُجَاهِدُون» فتجري فيه الأوْجُه السَّابقة فيما قَبْله.
الثاني: أن تكُون «الواوُ» للحَالِ، وصاحب الحال فاعل «يُجَاهِدُون» ، قال الزَّمَخْشَرِي:«أي: يُجَاهِدُون» وحالهم في المُجَاهَدَةِ غَيْرُ حَالِ المُنافِقِين «.
وتَبِعَهُ أبو حيَّان ولم يُنْكِر عليه، وفيه نَظَر؛ لأنهم نَصُّوا عَلَى أن المُضَارع المَنْفِي ب» لَا «أو» مَا «كالمُثْبَتِ في أنَّه [لا يجوزُ أن] تباشِرَه واو الحَال، وهذا كما تَرَى مضارع مَنْفِيٌّ ب» لَا «، إلَاّ أن يُقَال: إن ذلك الشَّرْط غير مُجْمَعٍ عليه، ولكن العِلَّةَ التي مَنَعُوا لها مُبَاشَرة» الواو «للمُضَارع المُثْبت موجودة في المُضَارع المَنْفِي ب» لَا «و» مَا «، وهي أنَّ المُضَارع المُثْبَتَ بِمَنْزِلة الاسْمِ الصَّرِيح، فإنَّك إذا قُلْتَ:» جاء زَيْد يَضْحَكُ «كان في قُوة» ضَاحِكاً «و» ضَاحِكاً «لا يجوز دخول» الوَاو «عليه، فكذلكَ ما أشْبَهَه وهُوَ في قُوَّتِهِ، وهذه مَوْجُودة في المَنْفِي، فإن قولك:» جَاءَ زَيْدٌ يَضْحَكُ «في قوَّة» غَيْر ضَاحِكٍ «و» غيْر ضاحك «لا تَدْخل عليه الواو [إلَاّ أنَّ هذا يُشْكِلُ بأنَّهم نَصُّوا على أنَّ المنفي ب» لَمْ «و» لَمَّا «يجُوز فيه دخول الواو، مع أنَّه في قولك:» قَامَ زيدٌ لَمْ يَضْحَكْ «بمنزلة» غَيْرِ ضَاحِك «] ومن دخول الواو، وقوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم}[البقرة: ٢١٤] ونحوه.