للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثالث: أن تكون» الواوُ «للاستِئْنَاف، فيكون ما بَعْدَها جُمْلةً مُسْتَأنَفَةً مُسْتَقِلَّة بالإخْبار، وبهذا يَحْصُلُ الفَرْق بين هَذَا الوَجْهِ، وبين الوَجْهِ الذي جُوِّزَت فيه أن تكون» الوَاو «عَاطِفَةً، مع اعْتِقَادِنا أن» يُجَاهِدُون «مستَأنفٌ، وهو وَاضِح.

و «اللَّوْمَةُ» : المرَّة من اللَّوْمِ.

قال الزمخشري: «وفيها وفي التَّنْكِير مبالغتان، كأنَّه قيل:» لا يخافُون شيئاً قط من لَوْم أحَد من اللُّوَّام «، و» لومة «مصدر مُضاف لِفاعِلِه في المعنى.

فإن قِيلَ: هل يجُوزُ أن يكُونَ فاعِلُهُ مَحْذُوفاً، أي: لا يَخَافُون لَوْمَة لائِمٍ إيَّاهم؟

فالجوابُ أنَّ ذلك لا يجُوز عند الجُمْهُور؛ لأنَّ المصدر المحدُودَ بتاء التَّأنيثِ لا يَعْمَل، فلو كان مَبْنيّاً على التَّاء عمل، كقوله: [الطويل]

١٩٨٦ - فَلَوْلَا رَجَاءُ النَّصْرِ مِنْكَ وَرَهْبَةٌ ... عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا بِالْموَارِدِ

فأعمل» رَهْبَة «؛ لأنه مَبْنِيٌّ على» التَّاء «، ولا يجُوز أن يعمل المَحْدُود بالتَّاءِ إلا في قَليلٍ في كلامهم؛ كقوله: [الطويل]

١٩٨٧ - يُحَايِي بِه الْجَلْدُ الَّذِي هُوَ حَازِمٌ ... بِضَرْبَةِ كَفَّيْهِ المَلَا وَهْوَ رَاكِبُ

يصف رَجُلاً سقى رَجُلاً مَاءً فأحْيَاهُ به، وتيمّم بالتُّراب.

والمَلَا: التُّراب، فنصب» المَلَا «ب» ضَرْبة «، وهو مصدر محدُود بالتَّاء وأصل» لَائِم «: لَاوِم؛ لأنه من اللَّوْم، فَأعِلَّ ك» قََائِم «.

فصل في معنى الآية

المعنى لا يخافُون في نُصْرة دِين اللَّه لَوْمة النَّاس، وذلك [أنَّ] المُنافِقِين يُرَاقِبُون الكفَّار ويَخَافُون لَوْمَهُم.

وروى عُبَادة بن الصَّامِت، قال: بايَعنا رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - على السَّمْع والطَّاعة، وأن نَقُوم للَّه وأن نقُول الحَقَّ حيث ما كُنَّا لا نخاف في اللَّهِ لَوْمَة لائِم.

قوله تعالى:» وذلك «في المُشَار إليه ثلاثةُ أوجه:

أظهرُها: أنه جَمِيع ما تقدَّم من الأوْصَاف التي وُصِفَ بها القَوْم، من المحبّةِ، والذِّلَّة، والعِزَّة، والمُجَاهدة في سبيل الله، وانتِفَاء خوف اللَاّئِمَة من كل أحَدٍ، واسْمُ الإشارَة يَسُوغُ فيه ذلك، أعْنِي: أنه يقع بِلَفْظِ الإفْرَاد مُشَاراً به لأكثر مِنْ وَاحدٍ، وقد تقدَّم تَحْقِيقُهُ في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: ٦٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>