كان ضمير أهل الكتاب وهو قول عامة المفسرين فيشكل ويحتاج إلى جواب] ووجه الإشكال أنه يصير التقدير: هل أنبئكم يا أهل الكتاب بِشَرٍّ من ذلك، و «ذلك» يرادُ به المنقوم، وهو الإيمان، وقد علم أنه لا شَرَّ في دين الإسلام ألبتة، وقد أجاب الناس عنه، فقال الزمخشري عبارةً قرر بها الإشكال المتقدم، وأجاب عنه بعد أن قال: فإن قلت: المثوبة مختصة بالإحسان، فكيف وقعت في الإساءة؟ قلت: وضعت موضع عقوبة، فهو كقوله:[الوافر]
ومنه {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران: ٢١] ، وتلك العبارة التي ذكرتها [لك] هي أن قال: «فإن قلت: المُعَاقب من الفريقين هم اليهود، فلمَ شورك بينهم في العقوبة؟
قلت: كان اليهود - لعنوا - يزعمون أن المسلمين ضالُّون مستوجبون للعقوبة، فقيل لهم: مَنْ لعنه الله شَرٌّ عقوبة في الحقيقة، فاليقين لأهل الإسلام في زعمكم ودعواكم» .
وفي عبارته بعض علاقة وهي قوله:«فَلِمَ شورك بينهم» أي: بين اليهود وبين المؤمنين.
وقوله:«من الفريقين» يعني بهما أهل الكتاب المخاطبين ب «أنبئكم» ، ومَنْ لعنه الله وغضب عليه، وقوله:«في العقوبة» ، أي: التي وقعت المثوبة موقعها، ففسرها بالأصل، وفسَّر غيره المثوبة هنا بالرجوع إلى الله - تعالى - يوم القيامة، ويترتب على التفسيرين فائدة تظهر قريباً.
قال القرطبي: المعنى فبشِّر من نقمكم علينا، وقيل: من شر ما تريدون لنا من المكروه، وهذا جواب لقولهم:«ما نعرف ديناً أشرَّ من دينكم» .
و «مَثُوبَةً» نصبٌ على التمييز، ومميَّزُها «شَرٌّ» ، وقد تقدَّم في البقرة الكلامُ على اشتقاقها ووزنها، فَلْيُلْتَفَتْ إليه. قوله تعالى:«عِنْدَ الله» فيه وجهان:
أحدهما: أنه متعلقٌ بنفس «مَثُوبَةٌ» ، إن قُلْنا: إنها بمعنى الرجوع؛ لأنك تقول:«رَجَعْتُ عِنْدَهُ» ، والعندية هنا مجازية.
والثاني: أنه متعلِّق بمحذوف؛ لأنه صفة ل «مَثُوبَةً» ، وهو في محلِّ نصبٍ، إن قلنا: إنها اسمٌ مَحْضٌ وليستْ بمعنى الرجوعِ، بل بمعنى عقوبة.
وقرأ الجمهورُ:«أنَبِّئُكُمْ» بتشديد الباء من «نَبَّأ» ، وقرأ إبراهيم النَّخَعِيُّ ويحيى بْنُ