وثَّابٍ:«أنْبِئُكُمْ» بتخفيفها من «أنْبَأَ» ، وهما لغتان فصيحتان، والجمهور أيضاً على «مَثُوبَة» بضم الثاء وسكون الواو، وقرأ الأعرَجُ وابن بُرَيْدَة ونبيح وابن عمران:«مَثْوبة» بسكون الثاء وفتح الواو، وجعلها ابن جِنِّيّ في الشذُوذِ؛ كقولهم «فَاكِهَةٌ مَقْودَةٌ للأذَى» ، بسكون القاف وفتح الواو، يعني: أنه كان من حقِّها أن تُنْقَلَ حركةُ الواو إلى الساكن قبلها، وتُقْلب الواوُ ألفاً، فيقال: مَثَابَة ومقادَة كما يقال: «مَقَام» والأصل: «مَقْومٌ» .
قوله تعالى:«مَنْ لَعَنَهُ» في محلِّ «مَنْ» أربعةُ أوجه:
أحدها: أنه في محلِّ رفع على خبر مبتدأ مضمرٍ، تقديره: هُوَ مَنْ لَعنَهُ الله فإنه لما قال: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك} ، فكأنَّ قَائِلاً قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لَعَنَهُ الله.
وقدَّر مكيٌّ قبله مضافاً محذوفاً، قال:«تقديرُه: لَعْنُ مَنْ لَعَنَهُ الله» ، ثم قال: وقيل: «مَنْ» في موضعِ خَفْضٍ على البدلِ من «بِشَرٍّ» بدلِ الشيء من الشَّيْء، وهو هو، وكان ينبغي له أن يقدِّرَ في هذا الوجه مضافاً محذوفاً؛ كما قدَّره في حالة الرفع؛ لأنه إنْ جَعَلَ «شَرًّا» مراداً به معنًى، لزمه التقديرُ في الموضعين، وإن جعله مراداً به الأشخاصُ، لزمَهُ ألَاّ يُقَدَّر في الموضعَيْن.
الثاني: أنه في محل جر، كما تقدَّم بيانُه عن مكيٍّ والمعنى: أنبئكم عن من لَعَنَهُ الله.
الثالث: أنه في محلِّ نصبٍ على البَدَل من محل «بِشَرٍّ» .
الرابع: أنه في محلِّ نصبٍ على أنه منصوبٌ بفعل مقدَّر يدل عليه «أنَبِّئُكُمْ» ، تقديره: أعَرِّفُكُمْ من لَعَنَهُ الله، ذكره أبو البقاء، و «مَنْ» يُحْتَملُ أن تكون موصولةً، وهو الظاهرُ، ونكرةً موصوفةً، فعلى الأوَّل: لا محلَّ للجملة التي بعدها، وعلى الثاني: لها محلٌّ بحسب ما يُحْكَمُ على «مَنْ» بأحد الأوجه السابقة، وقد حمل على لفظها أولاً في قوله «لَعَنَهُ» و «عَلَيْهِ» ، ثم على معناها في قوله:«مِنْهُمُ القِرَدَة» ، ثم على لفظها في قوله:«وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» ثم على لفظها في قوله: «أولَئِكَ» ، فجَمَع في الحمل عليها أربعَ مرَّاتٍ.
و «جَعَلَ» هنا بمعنى «صَيَّرَ» فيكون «مِنْهُمْ» في محل نصب مفعولاً ثانياً، قُدِّم على