عَبُداً» واحدٌ يُرادُ به الكَثْرةُ، كقوله تعالى:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَآ}[النحل: ١٨] وليس بجَمْعِ «عَبْدٍ» ؛ لأنه ليس في أبنيةِ الجَمْعِ مثلُه، قال:«وقد جاءَ على فعُلٍ؛ لأنه بناءٌ يُرَادُ به الكثرةُ والمبالغةُ في نحْوِ يَقُظٍ وندُسٍ؛ لأنه قد ذهب في عبادة الطاغوت كلَّ مذْهَبٍ، وبهذا المعنى أجاب الزمخشريُّ أيضاً، قال - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى -: معناه الغُلُّو في العبوديَّة؛ كقولهم:» رَجُلٌ حَذُرٌ وفَطُنٌ «للبليغ في الحَذَر والفطْنة؛ وأنشد لِطَرَفَة:[الكامل]
قد سَبَقُهمَا إلى هذا التوجيهِ أبو إسْحَاق، وأبو بَكْر بنُ الأنْبَارِيِّ، قال أبو بَكْرٍ:» وضُمَّتِ الباءُ للمبالغةِ؛ كقولهم للفَطِن:«فَطُنٌ» وللحَذِر: «حَذُرٌ» ، يَضُمُّون العين للمبالغةِ؛ قال أوس بن حُجْرٍ:[الكامل]
بضمِّ الباء «. ونَسَب البيت لابن حُجْر، وقد تقدَّم أنه لطرفة، ومِمَّنْ نَسَبه لطرفة الشيخُ شهابُ الدينِ أبو شَامَةَ.
وقال أبو إسحاق: ووجْهُ قراءةِ حمزة: أنَّ الاسم بُني على» فَعُلٍ «؛ كما تقول:» رَجُلٌ حَذُرٌ «، وتأويلُه أنه مبالغٌ في الحَذَرِ، فتأويلُ» عَبُدٍ «: أنَّه بلغَ الغايةَ في طاعة الشيطانِ، وكأنَّ هذا اللفظ لفظٌ واحدٌ يَدُلُّ على الجَمْعِ؛ كما تقول للقوم» عَبُدُ العَصَا «تريدُ: عَبيدَ العَصَا، فأخذ أبو عليّ هذا، وبَسَطَهُ. ثم قال» وجاز هذا البناءُ على عَبْدٍ؛ لأنه في الأصلِ صِفَةٌ، وإن كان قد استُعْمِلَ استعمالَ الأسماءِ، لا يُزيله ذلك عن حُكْمِ الوصْفِ، كالأبْطَحِ والأبْرَقِ استُعْمِلَا استعمال الأسماء حتَّى جُمِعَا جَمْعَهَا في قولهم: أبَارِق وأبَاطِح كأجَادِل، جَمْع الأجْدَل، ثم لم يُزِلْ ذلك عنهما حكم الصفة؛ يَدُلُّكَ على ذلك مَنْعُهم له الصَّرْف؛ كأحْمَرَ، وإذا لم يَخْرج العبدُ عن الصفة، لم يمتنعْ أنْ يُبنَى بناءَ الصفات على فَعُلٍ، نحو: يَقُظٍ «.
وقال البَغَوِي: هُمَا لُغَتَانِ:» عَبْد «بجزم الباء، و» عَبُد «بضمها، مثل سَبْع، وَسَبُع.
وطعن بعض الناس على هذه القراءة، ونسب قارئها إلى الوهْم؛ كالفراء،