وقرأ ابن مسعُود في رواية عبد الغفَّار عن علقمة عنه: «وعَبُدَ الطَّاغُوتُ» بفتح العين، وضمِّ الباء، وفتحِ الدالِ، ورفعِ «الطَّاغُوتُ» ، وفيها تخريجان:
أحدهما: - ما ذكره ابن عطية - وهو: أن يصيرَ له أنْ عُبِدَ كالخُلُقِ والأمْرِ المعتاد المعروفِ، فهو في معنى فَقُهَ وشَرُفَ وظَرُفَ، قال شهاب الدين: يريد بكونه في معناه، أي: صار له الفِقْهُ والظَّرْفُ خُلُقاً معتاداً معروفاً، وإلَاّ فمعناه مغايرٌ لمعاني هذه الأفعال.
والثاني: - ما ذكره الزمخشري - وهو: أنْ صارَ معبوداً من دونِ الله ك «أمُرَ» ، أي: صَارَ أميراً، وهو قريبٌ من الأوَّلِ، وإنْ كان بينهما فرقٌ لطيفٌ.
وقرأ ابن عبَّاس في رواية عِكْرِمة عنه ومُجَاهِد ويحيى بن وثَّاب: «وَعُبُدَ الطَّاغُوتِ» بضم العين والباء، وفتح الدال وجر «الطَّاغُوتِ» ، وفيها أقوال:
أحدها: - وهو قول الأخفش -: أنَّ عُبُداً جمع عَبِيدٍ، وعَبِيدٌ جَمْعُ عَبْدٍ، فهو جمعُ الجمعِ، وأنشد: [الرمل]
١٩٩٤ - أنْسُبِ الْعَبْدَ إلى آبَائِهِ ... أسْوَدَ الْجِلْدَةِ مِنْ قَوْمٍ عُبُدْ
وتابعه الزمخشريُّ على ذلك، يعني أنَّ عَبِيداً جمعاً بمنزلة رَغيفٍ مفرداً فيُجْمَعُ جمعُه؛ كما يُقال: رَغِيفٌ ورُغُفٌ.
الثاني - وهو قولُ ثَعْلَب -: أنه جمعُ عَابِدٍ كشَارِفٍ وشُرُفٍ؛ وأنشد: [الوافر]
١٩٩٥ - ألَا يَا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّوَاءِ ... فَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بِالْفِنَاءِ
والثالث: أنه جَمْعُ عَبْدٍ؛ كسَقْفٍ وسُقُفٍ ورَهْنٍ ورُهُنٍ.
والرابع: أنه جمع عبادٍ، وعبادٌ جمعُ «عَبْدٍ» ، فيكونُ أيضاً جمعَ الجَمْع؛ مثل «ثِمَار» هو مع «ثَمَرَةٍ» [ثم يُجْمَعُ على «ثُمُرٍ» ] ، وهذا؛ لأنَّ «عِباداً» و «ثِمَاراً» جمعَيْن بمنزلة «كِتَابٍ» مفرداً، و «كِتَاب» يجمع على «كُتُب» فكذلك ما وازَنَه.
وقرأ الأعمَشُ: «وعُبَّدَ» بضمِّ العين وتشديد الباء مفتوحةً وفتحِ الدَّال، «الطَّاغُوتِ» بالجرِّ، وهو جمع: عَابدٍ؛ كضُرَّبٍ في جمعِ ضَاربٍ، وخُلَّص في جمع خالصٍ.
وقرأ ابنُ مسعود أيضاً في رواية علقمة: «وعُبَدَ الطَّاغُوتِ» بضمِّ العين وفتحِ الباء والدالِ، و «الطَّاغُوتِ» جَرًّا؛ وتوجيُهها: أنه بناءُ مبالغةٍ، كحُطَمٍ ولُبَدٍ، وهو اسْمُ جِنْسٍ مفردٍ يُرَادُ به الجَمْعُ، والقولُ فيه كالقول في قراءةِ حمزة، وقد تقدَّمَتْ.