يعني: لَمَّا كَثُرت الرواياتُ في هذه الآية، ظَنَّ بعضُهم؛ أنه قيل على سبيلِ الجَوَاز، لا أنها منقولةٌ عن أحَدٍ، وهذا لا ينبغي أنْ يُقال، ولا يُعْتقدَ؛ فإنَّ أهلَها إنما رَوَوْهَا قراءةً تَلَوْهَا على مَنْ أخَذُوا عنه، وهذا بخلاف و «عَابِدَ الشَّيْطَانِ» ، فإنَّه مخالفٌ للسَّوَاد الكريم.
وطريقُ ضبْطِ القراءةِ في هذا الحَرْفِ بعدما عُرِفَ القُرَّاء: أن يقال: سبع قراءاتٍ مع كَوْنِ «عَبَدَ» فعلاً ماضياً، وهي: وعَبَد، وعَبَدُوا، ومَنْ عَبَدُوا، وعُبِدَ، وعُبِدَت، وعَبُدَ، وعَبْدَ في قولنا: إنَّ الباء سَكَنَتْ تخفيفاً، ك «سَلْفَ» في «سَلَفَ» ، وتِسْعُ قراءاتٍ مع كونه جمعَ تكسِيرٍ، وهي: وعُبُدَ، وعُبَّدَ، مع جَرِّ الطاغوتِ، وعُبَّدَ مع نصبه، وعُبَّاد، وعَبَدَ على حَذْفِ التاءِ للإضافةِ، وعَبَدَةَ، وأعْبُد، وعَبِيدَ، وستٌّ مع المفْرَدِ: وعَبُدَ، وعُبَدَ، وعَابِدَ الطَّاغُوتِ، وعَابِدُ الطاغوتِ بضم الدال، وعَابِدَ الشيطانِ، وعَبْدَ الطَّاغُوتِ، وثِنتان مع كونه جمع سلامة: وعَابِدُوا بالواو، وعَابِدِي بالياء، فعلى قراءةِ الفِعْلِ يجُوزُ في الجملةِ وجهان:
أحدهما: أن تكون معطوفةً على الصِّلة قبلها، والتقدير: مَنْ لَعَنَهُ الله وعَبَدَ الطَّاغُوتَ.
والثاني: أنه ليس داخلاً في حَيِّز الصلةِ، وإنما هو على تقديرِ «مَنْ» ، أي: ومن عَبَدَ؛ ويدُلُّ له قراءةُ عبد الله بإظهارِ «مَنْ» ، إلَاّ أنَّ هذا - كما قال الواحديُّ - يؤدِّي إلى حَذْفِ الموصولِ وإبقاءِ صلتِه، وهو ممنوعٌ عند البصريِّين، جائزٌ عند الكوفيين، وسيأتي جميعُ ذلك في قوله تعالى:{وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ}[العنكبوت: ٤٦] ، أي: وبالذي أُنْزِلَ، وعلى قراءةِ جمع التكسير، فيكون منصوباً عطفاً على القِرَدَةِ والخَنَازِيرِ، أي: جَعَل منهمُ القِرَدَةَ وعِبَادَ وعُبَّادَ وعَبِيدَ، وعلى قراءةِ الإفراد كذلك أيضاً، ويجوزُ النصبُ فيها أيضاً من وجهٍ آخر، وهو العطفُ على «مَنْ» في {مَن لَّعَنَهُ الله} ، إذا قلنا بأنه منصوبٌ على ما تقدَّم تحريرُه قبلُ، وهو مرادٌ به الجنْسُ، وفي بعضها قُرئ برفعه؛ نحو:«وعَابِدُ الطَّاغُوتِ» ، وتقدَّم أن أبا عمرو يُقَدِّر له مبتدأ، أي: هُمْ عَابِدُو وتقدَّم ما في ذلك.
قال شهاب الدين: وعندي أنه يجوزُ أن يرتفع على أن معطوفٌ على «مَنْ» في قوله تعالى {مَن لَّعَنَهُ الله} ؛ ويَدُلُّ لذلك: أنهم أجازوا في قراءةِ عبد الله: «وَعَابِدُوا» بالواوِ هذين الوجهَيْن، فهذا مثله، وأما قراءة جمع السلامة، فمن قرأ بالياء، فهو منصوبٌ؛ عطفاً على القردةِ، ويجوزُ فيه وجهان آخران:
أحدهما: أنه منصوبٌ عطفاً على «مَنْ» في {مَن لَّعَنَهُ الله} إذا قلنا: إنَّ محلَّها نصبٌ كما مَرَّ.