للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وجَرِّ الطاغوت؛ كضَاربِ زَيْدٍ، قال أبو عمرو: تقديرُه: «وهُمْ عَابِدُ الطَّاغُوتِ» ، قال ابن عطية: «فهو اسمُ جنْسٍ» ، قلت: يعني أنه أرادَ ب «عابد» جماعةً، قلتُ: وهذه القراءةُ يجوز أن يكونَ أصلُها «وَعَابِدُو الطَّاغُوتِ» جَمْعَ عابد جمع سلامةٍ، فلمَّا لَقِيتِ الواوُ لامَ التعريفِ، حُذِفَتْ لالتقاء الساكنين، فصار اللفظُ بدالٍ مضْمُومةٍ؛ ويؤيِّدُ فَهْمَ هذا أنَّ أبا عَمْرو قدَّر المبتدأ جَمْعاً، فقال: «تقديرُه: هُمْ عَابِدُو» ، اللهم إلا أنْ ينقلُوا عن العقيليِّ أنه نَصَّ على قراءتِه أنها بالإفراد، أو سمعُوهُ يقف على «عَابِد» ، أو رَأوْا مصحفَه بدالٍ دونَ واوٍ؛ وحينئذٍ تكونُ قراءته كقراءةِ ابن عبَّاس: «وعَابِدُوا» [بالواو] ، وعلى الجملة، فقراءتُهما متَّحِدةٌ لفظاً، وإنَّما يَظْهَرُ الفَرْقُ بينهما على ما قالُوه في الوقْفِ أو الخَطِّ.

وقرأ ابن عبَّاس في روايةٍ أخرى لعكْرِمَةَ: «وعَابِدُوا» بالجمْعِ، وقد تقدَّم ذلك، وقرأ ابن بُرَيْدَةَ: «وعَابِدَ» بنصب الدالِ؛ كضَارِبِ زَيْدٍ، وهو أيضاً مفرد يُرادُ به الجِنْسُ، وقرأ ابن عبَّاس وابن أبي عَبْلَة: «وعبدَ الطَّاغُوت» بفتحِ العينِ والباءِ والدالِ، وجَرِّ «الطَّاغُوتِ» ؛ وتخريجُها: أنَّ الأصلَ: «وَعَبَدَةَ الطَّاغُوتِ» وفاعِل يُجْمَعُ على فَعَلَة، كَفَاجِرٍ وفَجَرَةٍ، وكَافِرٍ وكَفَرةٍ، فحُذِفَتْ تاءُ التأنيثِ للإضافة؛ كقوله: [الرجز]

١٩٩٨ - قَامَ وُلَاهَا فَسَقوْهُ صَرْخَدَا ... أي: وُلاتُهَا؛ وكقوله: [البسيط]

١٩٩٩ - ... ... ... ... ... ... ... . ... وأخْلَفُوكَ عِدَ الأمْرِ الذِي وَعدُوا

أي: عدةَ الأمرِ، ومنه: {وَإِقَامَ الصلاة} [الأنبياء: ٧٣] أي: إقامةِ الصلاة، ويجوزُ أن يكون «عبد» اسم جنسٍ لعابدٍ؛ كخَادِمٍ وخدمٍ، وحينئذ: فلا حَذْفَ تاء تأنيثٍ لإضافة، وقُرِئ: «وعبَدَةَ الطَّاغُوتِ» بثبوت التاء، وهي دالَّةٌ على حَذْفِ التاء للإضافة في القراءةِ قبلها، وقد تقدَّم توجيُهها أنَّ فَاعِلاً يُجْمَعُ على «فَعَلَةٍ» كَبَارٍّ وبررَةٍ، وفَاجِرٍ وفَجَرَةٍ.

وقرأ عُبْيدُ بْنُ عُمَيْر: «وأعْبُدَ الطَّاغُوتِ» جمع عَبْدٍ، كفَلْسٍ وأفْلُس، وكَلْبٍ وأكْلُبٍ، وقرأ ابن عبَّاس: «وعَبِيدَ الطَّاغُوتِ» جمعَ عَبْدٍ أيضاً، وهو نحو: «كَلْبٍ وكَلِيبٍ» قال: [الطويل]

٢٠٠٠ - تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأرَادَهَا ... رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وَكَلِيبُ

وقُرئ أيضاً: «وعَابِدِي الطَّاغُوتِ» ، وقرأ عبد الله بن مسعُود: «ومَنْ عَبَدُوا» ، فهذه أربعٌ وعشرون قراءة، وكان ينبغي ألَاّ يُعَدَّ فيها: «وعَابِدَ الشَّيْطَانِ» ؛ لأنها تفسيرٌ، لا قراءة. وقال ابن عطيَّة: «وقد قال بعضُ الرواة في هذه الآية: إنها تجويزٌ، لا قراءة»

<<  <  ج: ص:  >  >>