للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والصَّابئُونَ، وهذا قول الكسائيِّ، ورَدَّه تلميذُهُ الفرَّاء والزَّجَّاج. قال الزَّجَّاج: «هو خطأٌ من جهتَيْن» :

إحداهما: أن الصابئ في هذا القولِ يشاركُ اليهوديَّ في اليهوديَّة، وليس كذلك، فإن الصابئ هو غيرُ اليهوديِّ، وإن جُعِلَ «هَادُوا» بمعنى «تَابُوا» من قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٥٦] لا من اليهوديَّة، ويكون المعنى: تابوا هم والصابئون، فالتفسيرُ قد جاء بغير ذلك؛ لأنَّ معنى «الَّذِينَ آمَنُوا» في هذه الآية؛ إنما هو إيمانٌ بأفواهِهِم؛ لأنه يريد به المنافقين؛ لأنه وصفُ الذين آمَنُوا بأفواههمْ ولم تؤمِنْ قلوبُهُمْ، ثم ذكر اليهودَ والنصارى، فقال: مَنْ آمَنَ منهُمْ بالله، فله كذا، فجعَلَهُمْ يهوداً ونصارى، فلو كانوا مؤمنين، لم يحتجْ أنْ يقال: «مَنْ آمَنَ، فَلَهُمْ أجْرُهُمْ» ، وأُجِيبَ بأن هذا على أحدِ القولينِ، أعني: أنَّ «الَّذِينَ آمَنُوا» مؤمنُونَ نفاقاً، ورَدَّهُ أبو البقاء ومكي بن أبي طالبٍ بوجه آخر، وهو عدمُ تأكيدِ الضمير المعْطُوفِ عليه، قال شهاب الدين: هذا لا يلزمُ الكسائيَّ من حيث إنه قال بقولٍ تردُّه الدلائلُ الصحيحةُ، والله أعلم، وهذا القولُ قد نقله مكيٌّ عن الفرَّاء، كما نقله غيره عن الكسائيِّ، وردَّ عليه بما تقدَّمَ، فيحتملُ أن يكونَ الفرَّاء كان يوافق الكسائيَّ، ثم رجَع، ويحتمل أن يكون مخالفاً له، ثم رجع إليه، وعلى الجُمْلةِ، فيجوز أن يكونَ له في المَسْألة قولان.

الوجه الرابع: أنه مرفوعٌ نسقاً على محلِّ اسم «إنَّ» ؛ لأنه قبل دخولها مرفوعٌ بالابتداء، فلمَّا دخلَتْ عليه، لم تُغَيِّر معناه، بل أكدَتْهُ، غايةُ ما في الباب: أنها عَمِلَتْ فيه لفظاً، ولذلك اختصَّتْ هي و «أنَّ» بالفتح، ولكن على رأي بذلك، دون سائر أخواتها؛ لبقاء معنى الابتداء فيها، بخلاف «لَيْتَ ولعلَّ وكَأنَّ» ، فإنه خرج إلى التمنِّي والتَّرَجِّي والتشبيه، وأجرى الفراء الباب مُجْرًى واحداً، فأجاز ذلك في لَيْتَ ولعلَّ، وأنشد: [الرجز]

٢٠١٣ - يَا لَيْتَنِي وأنْتِ يَا لَمِيسُ ... فِي بَلَدٍ لَيْسَ بِهَا أنِيسُ

فأتى ب «أنْتِ» ، وهو ضميرُ رفع نسقاً على الياء في «لَيْتَنِي» ، وهل يَجْري غيرُ العطْفِ من التوابع مَجْرَاهُ في ذلك؟ فذهَبَ الفرَّاء ويونُسُ إلى جوازِ ذلك، وجعلا منه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق عَلَاّمُ الغيوب} [سبأ: ٤٨] فرفعُ «علَاّم» عندهما على النعْتِ ل «

<<  <  ج: ص:  >  >>